فِيهِ سِتٌّ وَعِشْرُونَ «١» مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْبَقَرَةِ «٢». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُنْخَنِقَةُ) هِيَ الَّتِي تَمُوتُ خَنْقًا، وَهُوَ حَبْسُ النَّفَسِ سَوَاءٌ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ آدَمِيٌّ أَوِ اتَّفَقَ لَهَا ذَلِكَ فِي حَبْلٍ أَوْ بَيْنَ عُودَيْنِ أَوْ نَحْوُهُ. وَذَكَرَ قَتَادَةُ: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَخْنُقُونَ الشَّاةَ وَغَيْرَهَا فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمَوْقُوذَةُ) الْمَوْقُوذَةُ هِيَ الَّتِي تُرْمَى أَوْ تُضْرَبُ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا حَتَّى تَمُوتَ مِنْ غَيْرِ تَذْكِيَةٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ، يقال منه: وقذه يقده وَقْذًا وَهُوَ وَقِيذٌ. وَالْوَقْذُ شِدَّةُ الضَّرْبِ، وَفُلَانٌ وَقِيذٌ أَيْ مُثْخَنٌ ضَرْبًا. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَأْكُلُونَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانُوا يَضْرِبُونَ الْأَنْعَامَ بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا، وَمِنْهُ الْمَقْتُولَةُ بِقَوْسِ الْبُنْدُقِ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

شَغَّارَةٌ «٣» تَقِذُ الْفَصِيلَ بِرِجْلِهَا فَطَّارَةٌ لِقَوَادِمِ الْأَبْكَارِ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ «٤» الصَّيْدَ فَأُصِيبُ، فَقَالَ: (إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ «٥» فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ وَقِيذٌ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي الصَّيْدِ بِالْبُنْدُقِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ وَقِيذٌ لَمْ يُجِزْهُ إِلَّا مَا أُدْرِكَ ذَكَاتُهُ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ. وَخَالَفَهُمُ الشَّامِيُّونَ فِي ذَلِكَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمِعْرَاضِ، كُلْهُ خَزَقَ أَوْ لَمْ يَخْزِقْ، فَقَدْ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عمر
(١). كذا في الأصول وهي سبع وعشرون.
(٢). راجع ج ٢ ص ٢١٦ وما بعدها.
(٣). الشغارة: هي الناقة ترفع قوائهما لتضرب. الفطر: الحلب بالسبابة والوسطى ويستعين بطرف الإبهام. وخلفا الضرع المقدمان: هما القادمان وجمعه القوادم. والأبكار تحلب فطرا لأنه لا يستمكن أن يحلبها ضبا لقصر الخلف لأنها صغار.
(٤). المعراض: سهم يرمى به بلا ريش وأكثر ما يصيب بعرض عوده دون حده.
(٥). خزق السهم: نفذ في الرمية والمعنى: نفذ وأسال الدم لأنه ربما قتال بعرضه ولا يجوز.


الصفحة التالية
Icon