السَّبُعُ، لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ السَّبُعُ فَقَدْ فَنِيَ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُوقِفُ اسْمَ السَّبُعِ عَلَى الْأَسَدِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَخَذَ السَّبُعُ شَاةً ثُمَّ خَلَصَتْ مِنْهُ أَكَلُوهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَكَلَ بَعْضَهَا، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ" السَّبْعُ" بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ نَجْدٍ. وَقَالَ حَسَّانٌ فِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:

مَنْ يَرْجِعُ الْعَامَ إِلَى أَهْلِهِ فَمَا أَكِيلُ السَّبْعِ بِالرَّاجِعِ
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ" وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:" وَأَكِيلُ السَّبُعِ". السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ. وَهُوَ رَاجِعٌ عَلَى كُلِّ مَا أُدْرِكَ ذَكَاتُهُ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ وَفِيهِ حَيَاةٌ، فَإِنَّ الذَّكَاةَ عَامِلَةٌ فِيهِ، لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا يُجْعَلُ مُنْقَطِعًا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ وَشَرِيكٌ وَجَرِيرٌ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذِئْبٍ عَدَا عَلَى شَاةٍ فَشَقَّ بَطْنَهَا حَتَّى انْتَثَرَ قُصْبُهَا «١» فَأَدْرَكْتُ ذَكَاتَهَا فَذَكَّيْتُهَا فَقَالَ: كُلْ وَمَا انْتَثَرَ مِنْ قُصْبِهَا فَلَا تَأْكُلْ. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: السُّنَّةُ فِي الشَّاةِ عَلَى مَا وَصَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مَصَارِينُهَا فَإِنَّهَا حَيَّةٌ بَعْدُ، وَمَوْضِعُ الذَّكَاةِ مِنْهَا سَالِمٌ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ أَحَيَّةٌ هِيَ أَمْ مَيِّتَةٌ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى فِعْلٍ هَلْ يَعِيشُ مِثْلُهَا؟ فَكَذَلِكَ الْمَرِيضَةُ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ مِنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. قُلْتُ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذُكِرَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَالْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَأَحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إِذَا بَلَغَ مِنْهَا السَّبُعُ أَوِ التَّرَدِّيُ إِلَى مَا لَا حَيَاةَ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي تَلْقِينِهِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةُ الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ. وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُنْقَطِعٌ، أَيْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ
(١). في ا: ثم انتثر. والقصب: المعى، والجمع أقصاب.


الصفحة التالية
Icon