تَنْشَرِحُ لَهُ النَّفْسُ وَتَسْتَبْشِرُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِ الْأَمَلِ، فَيَحْسُنُ الظَّنُّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قَالَ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي). وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكْرَهُ الطِّيَرَةَ، لِأَنَّهَا مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلِأَنَّهَا تَجْلِبُ ظَنَّ السُّوءِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ أَنَّ الْفَأْلَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَالطِّيَرَةُ إِنَّمَا هِيَ مِنْ طريق الاتكال على شي سِوَاهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنِ الْفَأْلِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَسْمَعُ يَا سَالِمٌ، أَوْ يَكُونَ بَاغِيًا «١»
فَيَسْمَعُ يَا وَاجِدٌ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ)، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ). وَسَيَأْتِي لِمَعْنَى الطِّيَرَةِ مَزِيدُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَنَالُونَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا، مَنْ تَكَهَّنَ أَوِ اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ مِنْ طِيَرَةٍ. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكُمْ فِسْقٌ) إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ. وَالْفِسْقُ الْخُرُوجُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢»
. وَقِيلَ يَرْجِعُ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنِ الِاسْتِحْلَالِ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وكل شي مِنْهَا فِسْقٌ وَخُرُوجٌ مِنَ الْحَلَالِ إِلَى الْحَرَامِ، وَالِانْكِفَافُ عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، إذ قال:" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ"] المائدة: ١]. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) يَعْنِي أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ كُفَّارًا. قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حِينَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَدَخَلَهَا وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَلَا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ وَضَعَ السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمن". وفي" يئس" لغتان، يئس ييئس يأسا، وأيس يأيس
(٢). راجع ج ١ ص ٢٤٤ وما بعدها.