وَذَلِكَ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ، فَإِنَّ الَّذِي يُبِيحُ لَحْمَ الْكَلْبِ فَلَا يُخَصِّصُ الْإِبَاحَةَ بِالْمُعَلَّمِ، وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي أَكْلِ الْكَلْبِ فِي" الْأَنْعَامِ" «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَتَنَاوَلُ مَا عَلَّمْنَاهُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ يَنْتَظِمُ الْكَلْبَ وَسَائِرَ جَوَارِحِ الطَّيْرِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ إِبَاحَةَ سَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بِسَائِرِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَهُوَ الْأَكْلُ مِنَ الْجَوَارِحِ أَيِ الْكَوَاسِبِ مِنَ الْكِلَابِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ، وَكَانَ لِعَدِيٍّ كِلَابٌ خَمْسَةٌ قَدْ سَمَّاهَا بِأَسْمَاءِ أَعْلَامٍ، وَكَانَ أَسْمَاءُ أَكْلُبِهِ سَلْهَبٌ وَغَلَّابٌ وَالْمُخْتَلِسُ وَالْمُتَنَاعِسُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَخَامِسٌ أَشُكُّ، قَالَ فِيهِ أَخْطَبُ، أَوْ قَالَ فِيهِ وَثَّابٌ. الرَّابِعَةُ- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ وَعَلَّمَهُ مُسْلِمٌ فينشلي إذا أشلي «٢» ويجيب إذ دُعِيَ، وَيَنْزَجِرُ بَعْدَ ظَفَرِهِ بِالصَّيْدِ إِذَا زُجِرَ، وَأَنْ يَكُونَ لَا يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِهِ الَّذِي صَادَهُ، وَأَثَّرَ فِيهِ بِجُرْحٍ أَوْ تَنْيِيبٍ، وَصَادَ بِهِ مُسْلِمٌ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ إِرْسَالِهِ أَنَّ صَيْدَهُ صَحِيحٌ يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنِ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ دَخَلَ الْخِلَافُ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُصَادُ بِهِ غَيْرُ كَلْبٍ كَالْفَهْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الطَّيْرِ فَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا صَادَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَهُوَ جَارِحٌ كَاسِبٌ. يُقَالُ: جَرَحَ فُلَانٌ وَاجْتَرَحَ إِذَا اكْتَسَبَ، وَمِنْهُ الْجَارِحَةُ لِأَنَّهَا يُكْتَسَبُ بِهَا، وَمِنْهُ اجْتِرَاحُ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ذَا جُبَارٌ «٣» مُنْضِجًا مِيسَمُهْ | يُذْكِرُ الْجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ |
«٥» الجاثية: ٢١]. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُكَلِّبِينَ) مَعْنَى" مُكَلِّبِينَ" أَصْحَابُ الْكِلَابِ وَهُوَ كَالْمُؤَدِّبِ صَاحِبِ التَّأْدِيبِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مضرين على الصيد كما تضرى الكلاب، قال الرماني: وكلا
(٢). أشليت الكلب على الصيد دعوته فأرسلته، وقيل: أغريته.
(٣). الجبار: الهدر. الميسم: اسم لأثر الوسم وهو الكي والمعنى: أن من أهجوه يبقى هجوي له ظاهرا ولا يستطيع رفعه. والشطر الأول في الأصول (ذات جد منضج ميسمها)، والتصويب عن (الصبح المنير في شعر أبي بصير).
(٤). راجع ج ٧ ص ٥.
(٥). راجع ج ١٦ ص ١٦٥.