يُوَسَّقُ، فَأَوْجَبَهَا فِي اللَّوْزِ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ دُونَ الجوز لأنه معدود. واحتج بقول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ) قَالَ: فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَسْقُ، وَبَيَّنَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ إِخْرَاجُ الْحَقِّ مِنْهُ. وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ، حَتَّى فِي عَشْرِ دَسَاتِجَ «١» مِنْ بَقْلِ دَسْتَجَةَ بَقْلٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ كَتَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ «٢»... ، فَذَكَرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَتِلْمِيذِهِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِلَى هَذَا مَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَ الْآيَةَ مِرْآتَهُ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ، وَأَخَذَ يَعْضُدُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيِّ وَيُقَوِّيهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ (الْقَبَسِ بِمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ". وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَوْ بَعْضِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، فِي (الْأَحْكَامِ) لُبَابُهُ، أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُقْتَاتِ كَمَا بَيَّنَّا دُونَ الْخَضْرَاوَاتِ، وَقَدْ كَانَ بِالطَّائِفِ الرُّمَّانُ وَالْفِرْسِكُ «٣» وَالْأُتْرُجُّ فَمَا اعْتَرَضَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذَكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ. قُلْتُ: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْخَضْرَاوَاتِ لَيْسَ فِيهَا شي. وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ. وَلَا قَاطِعَ يُبَيِّنُ أَحَدَ مَحَامِلِهَا «٤»، بَلِ الْقَاطِعُ الْمَعْلُومُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي أَحْكَامِهِ: أَنَّ الْكُوفَةَ افْتُتِحَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ فِي الْمَدِينَةِ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَوْ مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مِثْلُ هَذِهِ عُطِّلَتْ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَمُسْتَقَرِّ الْوَحْيِ وَلَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى عَمِلَ بِذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ؟. إِنَّ هَذِهِ لَمُصِيبَةٌ فِيمَنْ ظَنَّ هَذَا وَقَالَ بِهِ! قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنْ مَعْنَى التَّنْزِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «٥» " أَتَرَاهُ يَكْتُمُ شَيْئًا أُمِرَ بتبليغه أو ببيانه؟ حاشاه عن ذلك
(٢). من ك.
(٣). الفرسك: الخوخ أو ضرب منه أجرد أحمر أو ما ينفلق عن نواة.
(٤). في ك: محتملاتها.
(٥). راجع ج ٦ ص ٢٤٢.