وَقَالَ آخَرُ:

نَشْرَبُ الْإِثْمَ بِالصُّوَاعِ جِهَارًا وَتَرَى الْمِسْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا «١»
" وَالْبَغْيَ" الظُّلْمُ وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ فِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْبَغْيُ أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ فِي الرَّجُلِ فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ، وَيَبْغِي عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، إِلَّا أَنْ يَنْتَصِرَ مِنْهُ بِحَقٍّ. وَأَخْرَجَ الْإِثْمَ وَالْبَغْيَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَهُمَا مِنْهُ لِعِظَمِهِمَا وَفُحْشِهِمَا، فَنَصَّ عَلَى ذِكْرِهِمَا تَأْكِيدًا لِأَمْرِهِمَا وَقَصْدًا لِلزَّجْرِ عَنْهُمَا. وَكَذَا وَأَنْ تُشْرِكُوا وأن تقولوا وهما في موضع نصب عطفا عَلَى مَا قَبْلُ. وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَكُونَ الْإِثْمُ بِمَعْنَى الْخَمْرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِثْمُ مَا دُونَ الْحَدِّ وَالِاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِثْمُ الْخَمْرَ فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ، وَحَقِيقَةُ الْإِثْمِ أَنَّهُ جَمِيعُ الْمَعَاصِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنِّي وَجَدْتُ الْأَمْرَ أَرْشَدُهُ تَقْوَى الْإِلَهِ وَشَرُّهُ الْإِثْمُ
قُلْتُ: وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا وَقَالَ:" وَلَا حُجَّةَ فِي الْبَيْتِ «٢»، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: شَرِبْتُ الذَّنْبَ أَوْ شَرِبْتُ الوزر لكان كذلك، ولم يوجب قول أَنْ يَكُونَ الذَّنْبُ وَالْوِزْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ الْإِثْمُ. وَالَّذِي أَوْجَبَ التَّكَلُّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَهْلُ بِاللُّغَةِ وَبِطَرِيقِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمَعَانِي". قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: وَقَدْ يُسَمَّى الْخَمْرُ إِثْمًا، وَأَنْشَدَ:
شَرِبْتُ الْإِثْمَ....
الْبَيْتَ وَأَنْشَدَهُ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبَيْهِ، عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ الْإِثْمُ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْإِثْمُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَعَلَى الْخَمْرِ أَيْضًا لُغَةً، فَلَا تَنَاقُضَ. وَالْبَغْيُ: التَّجَاوُزُ في الظلم، وقيل: الفساد.
[سورة الأعراف (٧): آية ٣٤]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)
فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ:
(١). الصراع: إنا يشرب فيه. ومستعار: متداول. أي نتعاوره بأيدينا تشتمه.
(٢). يريد به البيت الأول.


الصفحة التالية
Icon