وَالنُّقْصَانِ، فَلَا يُطْلَبُ لَهُ وَاحِدٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: الطُّوفَانُ فِي اللُّغَةِ مَا كَانَ مُهْلِكًا مِنْ مَوْتٍ أَوْ سَيْلٍ، أَيْ مَا يُطِيفُ بِهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَلَمْ يُصِبْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ مِنْ مَاءٍ، بَلْ دَخَلَ بُيُوتَ الْقِبْطِ حَتَّى قَامُوا فِي الْمَاءِ إِلَى تَرَاقِيهِمْ «١»، وَدَامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا فَنُؤْمِنُ بِكَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الطُّوفَانَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا. فَأَنْبَتَ اللَّهُ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يُنْبِتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَأِ وَالزَّرْعِ. فَقَالُوا: كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ نِعْمَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ عليها الْجَرَادَ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ، جَمْعُ جَرَادَةٍ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. فَإِنْ أَرَدْتَ الْفَصْلَ نَعَتَّ فَقُلْتَ رَأَيْتُ جَرَادَةً ذَكَرًا- فَأَكَلَ زُرُوعَهُمْ وَثِمَارَهُمْ حَتَّى إِنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ السُّقُوفَ وَالْأَبْوَابَ حَتَّى تَنْهَدِمَ دِيَارُهُمْ. وَلَمْ يَدْخُلْ دُورَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْهَا شي. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَتْلِ الْجَرَادِ إِذَا حَلَّ بِأَرْضٍ فَأَفْسَدَ، فَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ. وَقَالَ أَهْلُ الْفِقْهِ كُلُّهُمْ: يُقْتَلُ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ خَلْقٌ عَظِيمٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَأْكُلُ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَمُ. وَبِمَا رُوِيَ (لَا تَقْتُلُوا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ). وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ فِي تَرْكِهَا فَسَادَ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال المسلم إذا أراد أخذ مال، فَالْجَرَادُ إِذَا أَرَادَتْ فَسَادَ الْأَمْوَالِ كَانَتْ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ قَتْلُهَا. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ؟ لِأَنَّهُمَا يُؤْذِيَانِ النَّاسَ فَكَذَلِكَ الْجَرَادُ. رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا عَلَى الْجَرَادِ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَهْلِكْ كِبَارَهُ وَاقْتُلْ صِغَارَهُ وَأَفْسِدْ بَيْضَهُ وَاقْطَعْ دَابِرَهُ وَخُذْ بِأَفْوَاهِهِ عَنْ مَعَايِشِنَا وَأَرْزَاقِنَا إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (. قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَدْعُو عَلَى جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ اللَّهِ بِقَطْعِ دَابِرِهِ؟ قَالَ:) إِنَّ الْجَرَادَ «٢» نَثْرَةُ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ (. الرَّابِعَةُ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنَّا نَأْكُلُ الْجَرَادَ مَعَهُ. وَلَمْ يَخْتَلِفِ العلماء في أكله على الجملة،
(٢). النثره: شبه العطسة.