وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ فَحَالُ الْحَامِلِ حَالُ الْمَرِيضِ فِي أَفْعَالِهِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَهَبُ وَيُحَابِي فِي ثُلُثِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحَامِلِ بِحَالِ الطَّلْقِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْحَمْلَ عَادَةٌ وَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ. قُلْنَا: كَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَمْرَاضِ غَالِبُهُ السَّلَامَةُ، وَقَدْ يَمُوتُ مَنْ لَمْ يَمْرَضْ. الْخَامِسَةُ- قَالَ مَالِكٌ: إِذَا مَضَتْ لِلْحَامِلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَمَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إِلَّا فِي الثُّلُثِ. وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَرَادَ ارْتِجَاعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ ونكاح المريضة لا يصح. السادسة- قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ: إِنَّهُ إِذَا زَحَفَ فِي الصَّفِّ لِلْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ما له شَيْئًا إِلَّا فِي الثُّلُثِ، وَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِتِلْكَ الْحَالِ. وَيُلْتَحَقُ بِهَذَا الْمَحْبُوسُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ. وَخَالَفَ فِي هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِذَا اسْتَوْعَبْتَ النَّظَرَ لَمْ تُرَتِّبْ فِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ عَلَى الْقَتْلِ أَشَدُّ حَالًا مِنَ الْمَرِيضِ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ غَفْلَةٌ فِي النَّظَرِ، فَإِنَّ سَبَبَ الْمَوْتِ مَوْجُودٌ عِنْدَهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ الْمَوْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ". وَقَالَ رُوَيْشِدُ الطَّائِيُّ:
يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ | سَائِلٌ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ «١» |
وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعُذْرِ وَالْتَمِسُوا | قَوْلًا يُبَرِّئُكُمْ إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ |
(٢). راجع ج ١٤ ص ١٤٤.
(٣). في ج: مقاربة.