يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقِرُّهَا «١» فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ (قَرَّ الدَّجَاجَةِ «٢» فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ". قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: لَيْسَ لِيَحْيَى «٣» بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (أَيْضًا) «٤» مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السمع فتسمعه فتوجيه إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ". وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي" سَبَأٍ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ «٥» تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْبَشَرِ، أَيْ يَعْلَمُ مَا يَهْلِكُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَيُقَالُ: يَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ مِنَ النَّبَاتِ وَالْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنَ الدَّوَابِّ وَرِزْقِ مَا فِيهَا" وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها" روى يزيد بن هارون عن نافع عن محمد بن إسحاق عن نافع ابن عمر عن النبي صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَا مِنْ زَرْعٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا ثِمَارٍ عَلَى الْأَشْجَارِ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ إِلَّا عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم رزق فلان بن فُلَانٍ" وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَرَقَةَ يُرَادُ بِهَا السِّقْطُ مِنْ أَوْلَادِ بَنِي آدَمَ، وَالْحَبَّةَ يُرَادُ بِهَا الَّذِي لَيْسَ بِسِقْطٍ، وَالرَّطْبَ يُرَادُ بِهِ الْحَيُّ، وَالْيَابِسَ يُرَادُ بِهِ الْمَيِّتُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الرُّمُوزِ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ" أَيْ مِنْ وَرَقَةِ الشَّجَرِ إِلَّا يَعْلَمُ مَتَى تَسْقُطُ وَأَيْنَ تَسْقُطُ وَكَمْ تَدُورُ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا حَبَّةٍ إِلَّا يَعْلَمُ مَتَى تَنْبُتُ وَكَمْ تُنْبِتُ وَمَنْ يَأْكُلُهَا، وَ" ظُلُماتِ الْأَرْضِ" بُطُونُهَا وَهَذَا أَصَحُّ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ. وَقِيلَ:" فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ"
(٢). الزيادة عن صحيح مسلم.
(٣). هو أحد رجال سند هذا الحديث.
(٤). من ك.
(٥). راجع ج ١٤ ص ٢٧٨ فما بعد.