كَرَاهِيَةَ أَنْ يُجَاهِدُوا، كَقَوْلِهِ:" يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا" «١» [النساء: ١٧٦]. (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) شَكَّتْ فِي الدِّينِ. (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) أَيْ فِي شَكِّهِمْ يَذْهَبُونَ وَيَرْجِعُونَ.
[سورة التوبة (٩): آية ٤٦]
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) أَيْ لَوْ أَرَادُوا الْجِهَادَ لَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ السَّفَرِ. فَتَرْكُهُمُ الِاسْتِعْدَادَ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَتِهِمُ التَّخَلُّفَ. (وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ) أَيْ خُرُوجَهُمْ مَعَكَ. (فَثَبَّطَهُمْ) أَيْ حَبَسَهُمْ عَنْكَ وَخَذَلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي الْجُلُوسِ أَفْسَدْنَا وَحَرَّضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ بَعْدَهُ" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا". (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْإِذْنَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. قِيلَ: قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا فَأَخَذُوا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَقَالُوا. قَدْ أَذِنَ لَنَا. وَقِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخِذْلَانِ، أَيْ أَوْقَعَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الْقُعُودَ. وَمَعْنَى (مَعَ الْقاعِدِينَ) أَيْ مَعَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْعُمْيَانِ وَالزَّمْنَى والنسوان والصبيان.
[سورة التوبة (٩): آية ٤٧]
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)
هُوَ تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي تَخَلُّفِ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُمْ. وَالْخَبَالُ: الْفَسَادُ وَالنَّمِيمَةُ وَإِيقَاعُ الِاخْتِلَافِ وَالْأَرَاجِيفِ. وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ مَا زَادُوكُمْ قُوَّةً وَلَكِنْ طَلَبُوا الْخَبَالَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَزِيدُونَكُمْ فِيمَا يَتَرَدَّدُونَ [فِيهِ «٢»] مِنَ الرَّأْيِ إِلَّا خَبَالًا، فَلَا يكون الاستثناء منقطعا.
(٢). من ج وز ى.