وَوَجْهُ قَوْلِهِ: لَا يَجْزِي. أَنَّهُ لَمْ يَضَعْهَا فِي مُسْتَحَقِّهَا، فَأَشْبَهَ الْعَمْدَ، وَلِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ مَا أَتْلَفَ، عَلَى الْمَسَاكِينِ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَيْهِمْ. الثَّامِنَةُ- فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عِنْدَ مَحِلِّهَا فَهَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْفُقَرَاءِ. فَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، لِتَأْخِيرِهَا عَنْ مَحَلِّهَا فَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ فَلِذَلِكَ ضَمِنَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ- وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْدِلُ فِي الْأَخْذِ وَالصَّرْفِ لَمْ يَسُغْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّرْفَ بِنَفْسِهِ فِي النَّاضِّ «١» وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ زَكَاةَ النَّاضِّ عَلَى «٢» أَرْبَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: ذَلِكَ إِذَا كَانَ الصَّرْفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ خَاصَّةٍ، فَإِنِ احْتِيجَ إِلَى صَرْفِهَا لِغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْنَافِ فَلَا يُفَرِّقُ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْإِمَامُ. وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، هَذِهِ أُمَّهَاتُهَا. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) يَعْنِي السُّعَاةَ وَالْجُبَاةَ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ الْإِمَامُ لِتَحْصِيلِ الزَّكَاةِ بِالتَّوْكِيلِ عَلَى ذَلِكَ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ «٣»، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْخُذُونَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ الثُّمُنُ. ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ: يُعْطَوْنَ قَدْرَ عَمَلِهِمْ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. قَالُوا: لِأَنَّهُ عَطَّلَ نَفْسَهُ لِمَصْلَحَةِ الْفُقَرَاءِ، فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ أَعْوَانِهِ فِي مَالِهِمْ، كَالْمَرْأَةِ لَمَّا عَطَّلَتْ نَفْسَهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَةُ أَتْبَاعِهَا مِنْ خَادِمٍ أَوْ خَادِمَيْنِ عَلَى زَوْجِهَا. وَلَا تُقَدَّرُ بِالثُّمُنِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْكِفَايَةُ ثُمُنًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، كَرِزْقِ الْقَاضِي. وَلَا تُعْتَبَرُ كِفَايَةُ الْأَعْوَانِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ مَحْضٌ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ- يُعْطَوْنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ

(١). الناض من المال: هو الدر هم والدينار، وإنما يسمى ناضا إذا تحول نقدا بعد أن كان متاعا.
(٢). في ب وى: إلى.
(٣). اختلف في ضبطه فقيل بضم اللام وسكون التاء، وحكى فتحها. وقيل: بفتح اللام والمثناة واسمه عبد الله وكان من بني تولب حي من الأزد. وقيل: اللتبية أمه.


الصفحة التالية
Icon