وَيُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِهِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ فَقِيرٌ وَغَارِمٌ فَيُعْطَى بِالْوَصْفَيْنِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ). فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: (خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ). الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- وَيَجُوزُ لِلْمُتَحَمِّلِ فِي صَلَاحٍ وَبِرٍّ أَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يُؤَدِّي مَا تَحَمَّلَ بِهِ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يُجْحِفُ بِمَالِهِ كَالْغَرِيمِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ بن حنبل وغير هم. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً «١» فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرُ لَكَ بِهَا- ثُمَّ قَالَ- يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ- أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ- وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حتى يقوم ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ «٢» لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ- أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ- فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا «٣» يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا (. فَقَوْلُهُ:) ثُمَّ يُمْسِكُ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَنِيٌّ، لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تحل إلا لاحد ثلاثة ذوي فَقْرٍ مُدْقِعٍ «٤» أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ «٥» أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ) «٦». وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ) الْحَدِيثَ. وسيأتي.
(٢). أي حتى يقوموا على رءوس الاشهاد قائلين: إن فلانا أصابته فاقة إلخ.
(٣). كذا رواية مسلم، أي اعتقده سحتا أو يؤكل سحتا. وفي غير مسلم بالرفع.
(٤). المدقع: الشديد، يفضى بصاحبه إلى الدقعاء، وهي التراب. وقيل: هو سوء احتمال الفقر.
(٥). المفظع: الشديد الشنيع.
(٦). هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤد ها قتل المتحمل عنه فيوجعه قتله.