عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ الْغَازِي وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي غَزَاتِهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ فِي بَلَدِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ: (لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ). وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا الْغُزَاةُ وَمَوَاضِعُ الرِّبَاطِ فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. الثَّالِثَةُ والعشرون- قوله تعالى: (وَابْنِ السَّبِيلِ) السَّبِيلُ الطَّرِيقُ، وَنُسِبَ الْمُسَافِرُ إِلَيْهَا لِمُلَازَمَتِهِ إِيَّاهَا وَمُرُورِهِ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ تَسْأَلُونِي عَنِ الْهَوَى فَأَنَا الْهَوَى | وَابْنُ الْهَوَى وَأَخُو الْهَوَى وَأَبُوهُ |
وَالْمُرَادُ الَّذِي انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَسْبَابُ فِي سَفَرِهِ عَنْ بَلَدِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ وَمَالِهِ، فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ بِالسَّلَفِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إِذَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَلَا يُعْطَى. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ مِنَّةِ أَحَدٍ وَقَدْ وَجَدَ مِنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانَ لَهُ مَا يُغْنِيهِ فَفِي جَوَازِ الْأَخْذِ لَهُ لِكَوْنِهِ ابْنَ السَّبِيلِ رِوَايَتَانِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، فَإِنْ أَخَذَ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إِذَا صَارَ إِلَى بَلَدِهِ وَلَا إِخْرَاجُهُ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- فَإِنْ جَاءَ وَادَّعَى وَصْفًا مِنَ الْأَوْصَافِ، هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا وَيُقَالُ لَهُ أَثْبِتْ مَا تَقُولُ. فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَهُ، وَأَمَّا سَائِرُ الصِّفَاتِ فَظَاهِرُ الْحَالِ يَشْهَدُ لَهُ وَيُكْتَفَى بِهِ فِيهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ أَخْرَجَهُمَا أَهْلُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ [عَنْ أَبِيهِ
«١»] قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ
«٢» أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ
«٣» وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ"- الْآيَةَ إلى قوله-" رَقِيباً"
«٤» [النساء: ١] وَالْآيَةُ الَّتِي فِي الْحَشْرِ" وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ"
«٥» [الحشر: ١٨] تصدق رجل من ديناره من درهمه مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ- حَتَّى قَالَ- ولو بشق تمرة. قال: فجاء رجل