قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) يُرِيدُ الْأَصْنَامَ. (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ) وَهَذِهِ غَايَةُ الْجَهَالَةِ مِنْهُمْ، حَيْثُ يَنْتَظِرُونَ الشَّفَاعَةَ فِي الْمَآلِ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ نَفْعٌ وَلَا ضَرٌّ فِي الْحَالِ. وَقِيلَ:" شُفَعاؤُنا" أَيْ تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ الله في إصلاح معايشنا فِي الدُّنْيَا. (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لَا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" تُنَبِّئُونَ" بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ الْعَدَوِيُّ" أَتُنْبِئُونَ اللَّهَ" مُخَفَّفًا، مِنْ أَنْبَأَ يُنْبِئُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ مِنْ نَبَّأَ يُنَبِّئُ تَنْبِئَةً، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، جَمَعَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ" «١» [التحريم: ٣] أَيْ أَتُخْبِرُونَ اللَّهَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا فِي مُلْكِهِ أَوْ شَفِيعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَاللَّهُ لَا يعلم لنفسه شريكا في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَلِذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ. نَظِيرُهُ قَوْلُهُ:" أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ" «٢» [الرعد: ٣٣] ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ وَقَدَّسَهَا عَنِ الشِّرْكِ فَقَالَ:" سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ" أَيْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَيْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ «٣» وَلَا يُمَيِّزُ" وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ" فَيَكْذِبُونَ، وَهَلْ يَتَهَيَّأُ لَكُمْ أَنْ تُنَبِّئُوهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ!. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" تُشْرِكُونَ" بِالتَّاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عبيد. الباقون بالياء.
[سورة يونس (١٠): آية ١٩]
وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «٤» مَعْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُمُ الْعَرَبُ كَانُوا عَلَى الشِّرْكِ. وَقِيلَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطرة، فاختلفوا عند البلوغ." وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" إِشَارَةٌ إِلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، أَيْ لَوْلَا مَا سَبَقَ فِي حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ الْقِيَامَةِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَأَدْخَلَ المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين النار بكفر هم، وَلَكِنَّهُ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ الْأَجَلُ مَعَ عِلْمِهِ بصنيعهم فجعل
(٢). راجع ج ٩ ص ٣٢٢ فما بعد.
(٣). في ب وع وهـ: ما لا يشفع ولا ينصر.
(٤). راجع ج ٣ ص ٣٠. [..... ]