قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِسْلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ وَقَعَ فِي السِّيرَةِ خِلَافُهُ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ. وَكَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَبَشَةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، سِوَى أَبْنَائِهِمُ الَّذِينَ خَرَجُوا بِهِمْ صِغَارًا أَوْ وُلِدُوا بِهَا، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، إِنْ كَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْهُمْ. وَهُوَ يَشُكُّ فِيهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتِ الْآيَةُ بِالْبَيْدَاءِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ قَبْلَ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قِيلَ: الْمَعْنَى حَسْبُكَ اللَّهُ، وَحَسْبُكَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَافِيكَ اللَّهُ، وَكَافِي مَنْ تَبِعَكَ، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ. وَالْأَوَّلُ عَنِ الْحَسَنِ. وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ. فَ"- مَنِ" عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. عَلَى مَعْنَى: فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ وَأَتْبَاعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَلَى الثَّانِي عَلَى إِضْمَارٍ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَكْفِينِيهِ اللَّهُ وَأَبْنَاءُ قَيْلَةَ) «١». وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ [الْمَعْنَى «٢»] " وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" حَسْبُهُمُ اللَّهُ، فَيُضْمَرُ الْخَبَرُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" مَنِ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، عَلَى مَعْنَى: يَكْفِيكَ اللَّهُ وَيَكْفِي مَنِ اتبعك «٣».
(٢). من ج وك وهـ.
(٣). اضطربت عبارة الأصول هنا. والذي في إعراب القرآن للنحاس: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ). ابتداء وخبر، أي كافيك الله. ويقال: أحسبه إذا كفاه. (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) في موضع نصب معطوف على الكاف في التأويل، أي يكفيك الله عز وجل ويكفى من اتبعك كما قال:
إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ الْعَصَا | فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سيف مهند |
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ | مِنَ المال إلا مسحتا أو مجلف |