وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ كَالْجَمْرِ غَيْرِ كَلِيلَةِ الْأَبْصَارِ
وَالْبَائِعِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وَكِرَارِ
يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنَ الْكُفَّارِ
دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ بِبَطْنِ خَفِيَّةٍ غُلْبُ الرِّقَابِ مِنَ الْأُسُودِ ضَوَارِ «١»
وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إِلَيْهِمُ أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الْأَغْفَارِ «٢»
ضَرَبُوا عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ «٣»
لَوْ يَعْلَمُ الْأَقْوَامُ عِلْمِي كُلَّهُ فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُمَارِي
قَوْمٌ إِذَا خَوَتِ النُّجُومُ فَإِنَّهُمْ لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مَقَارِي «٤»
ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ انصرافه من الطائف ذا الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأول وَجُمَادَى الْآخِرَةَ، وَخَرَجَ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَى غَزْوَةِ الرُّومِ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وهي آخر غزوة غزا ها. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوكَ أَرَادَ الْحَجَّ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ عُرَاةٌ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونُ ذَلِكَ). فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ صَدْرِ" بَرَاءَةٌ" لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ الْمَوْسِمِ. فَلَمَّا خَرَجَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَقَالَ: (اخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٌ فَأَذِّنْ بِذَلِكَ فِي النَّاسِ إِذَا اجْتَمَعُوا). فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا رَآهُ: أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ ثُمَّ نَهَضَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ الْحَجَّ عَلَى مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ: وَأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَ عَلَى النَّاسِ" بَرَاءَةٌ" حَتَّى خَتَمَهَا قَبْلَ يوم التروية بيوم.
(١). دربوا: اعتادوا. وخفية: موضع كثير الأسد. والغلب: الغلاظ الرقاب. والضواري: اللواتي قد ضرين بأكل لحوم الناس الواحد ضار.
(٢). المعاقل: الحصون. والاغفار: أولاد الاروية (الوعل) واحد ها غفر.
(٣). علي: هو علي بن بكر بن وائل. ويقال: هو على أخو عبد مناة بن خزيمة من أمه. وقالوا: هو علي بن مسعود بن مازن.
(٤). خوت: إذا لم يكن لها مطر. والمقاري: جمع مقرى الذي يقرى الضيف.


الصفحة التالية
Icon