إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دماء هم وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا (. وَقَالُوا: حَقُّهَا الثَّلَاثُ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ (. وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَبَى مِنْ أَدَائِهَا وَقَضَائِهَا وَقَالَ لَا أُصَلِّي فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَدَمُهُ وَمَالُهُ حَلَالَانِ، وَلَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَحُكْمُ مَالِهِ كَحُكْمِ مَالِ الْمُرْتَدِّ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا. وَقَالَ ابن خويز منداد: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مَتَى يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ آخِرُ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ «١» أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، وَمِنَ اللَّيْلِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لِوَقْتِ الْعِشَاءِ، وَمِنَ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: وَذَهَابُ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. السَّادِسَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: قَدْ تُبْتُ أَنَّهُ لَا يُجْتَزَأُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَفْعَالُهُ الْمُحَقِّقَةُ لِلتَّوْبَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ هُنَا مَعَ التَّوْبَةِ إِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ لِيُحَقِّقَ بِهِمَا التَّوْبَةَ. وَقَالَ فِي آيَةِ الرِّبَا" وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ" «٢» [البقرة: ٢٧٩]. وقال:" إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا" [البقرة: ١٦٠] وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ «٣».
[سورة التوبة (٩): آية ٦]
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ مِنَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ." اسْتَجارَكَ" أَيْ سَأَلَ جِوَارَكَ، أَيْ أَمَانَكَ وَذِمَامَكَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ ليسمع القرآن، أي يفهم
(٢). راجع ج ٣ ص ٣٦٥.
(٣). راجع ج ٢ ص ١٨٧.