قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) كَيْفَ هُنَا لِلتَّعَجُّبِ، كَمَا تَقُولُ: كَيْفَ يَسْبِقُنِي فُلَانٌ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقَنِي. وَ" عَهْدٌ" اسْمُ يَكُونُ. وَفِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ مَعَ إِضْمَارِ الْغَدْرِ، كَمَا قَالَ:

وَخَبَّرْتُمَانِي إِنَّمَا الْمَوْتُ بِالْقُرَى فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَةٌ «١» وَكَثِيبُ
التَّقْدِيرُ: فَكَيْفَ مَاتَ، عَنِ الزَّجَّاجِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَابَهُ غَدًا، وَكَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ عِنْدَ رَسُولِهِ عَهْدٌ يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَابَ الدُّنْيَا. ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ:" إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هُمْ بَنُو بَكْرٍ، أَيْ لَيْسَ الْعَهْدُ إِلَّا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا وَلَمْ يَنْكُثُوا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أي فما أقاموا على الوفاء بعهد كم فَأَقِيمُوا لَهُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. ابْنُ زَيْدٍ: فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا فَضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فَأَمَّا مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ فَقَاتِلُوهُ حَيْثُ وجدتموه إلا أن يتوب.
[سورة التوبة (٩): آية ٨]
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أَعَادَ التَّعَجُّبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَهْدٌ مَعَ خُبْثِ أَعْمَالِهِمْ، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ عَهْدٌ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ غَلَبْتُهُ، وَظَهَرْتُ الْبَيْتَ عَلَوْتُهُ، وَمِنْهُ" فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ" «٢» [الكهف: ٩٧] أي يعلوا عليه.
(١). كذا في الأصول والبحر. والذي في شواهد سيبويه وجمهرة أشعار العرب: (وقليب) قال الشنتمري: (وأراد بالقليب القبر وأصله البئر. كأنه حذر من وباء الأمصار وهي القرى فخرج إلى البادية فرأى قبرا فعلم أن الموت لا ينجى منه فقال هذا منكرا على من حذره من الإقامة بالقرى).
(٢). راجع ج ١١ ص ٦٢.)


الصفحة التالية
Icon