بِالرَّسُولِ. قِيلَ لَهُ: دَلَّ عَلَى الرَّسُولِ مَا ذُكِرَ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مِمَّا جَاءَ بِهِ، فَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ إِنَّمَا يَصِحُّ مِنَ الْمُؤْمِنِ بِالرَّسُولِ، فَلِهَذَا لَمْ يُفْرِدْهُ بِالذِّكْرِ. وَ (عَسَى) مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: عَسَى بِمَعْنَى خَلِيقٌ أي فخليق" أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ".
[سورة التوبة (٩): آية ١٩]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ «١»: الْأُولَى- قَوْلُهُ تعالى:" أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ" التَّقْدِيرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ: أَجَعَلْتُمْ أَصْحَابَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ أَوْ أَهْلَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ مِثْلَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ. وَيَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ الْحَذْفُ فِي" مَنْ آمَنَ" أَيْ أَجَعَلْتُمْ عَمَلَ سَقْيِ الْحَاجِّ كَعَمَلِ مَنْ آمَنَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ. وَالسِّقَايَةُ مَصْدَرٌ كَالسِّعَايَةِ وَالْحِمَايَةِ. فَجَعَلَ الِاسْمَ بِمَوْضِعِ الْمَصْدَرِ إِذْ عُلِمَ مَعْنَاهُ، مِثْلَ إِنَّمَا السَّخَاءُ حَاتِمٌ، وَإِنَّمَا الشِّعْرُ زُهَيْرٌ. وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِثْلُ" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ" [يوسف: ٨٢]. وَقَرَأَ أَبُو «٢» وَجْزَةَ" أَجَعَلْتُمْ سُقَاةَ الْحَاجِّ وَعَمَرَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" سُقَاةُ جَمْعُ سَاقٍ وَالْأَصْلُ سُقْيَةٌ عَلَى فُعْلَةٍ، كَذَا يُجْمَعُ الْمُعْتَلُّ مِنْ هَذَا، نَحْوَ قَاضٍ وَقُضَاةٍ وَنَاسٍ وَنُسَاةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَلًّا جُمِعَ عَلَى فُعَلَةٍ نَحْوَ نَاسِئٍ وَنُسَأَةٍ، لِلَّذِينَ كَانُوا يُنْسِئُونَ الشُّهُورَ. وَكَذَا قَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ" سُقَاةَ وَعَمَرَةَ" إِلَّا أَنَّ ابْنَ جُبَيْرٍ نَصَبَ" الْمَسْجِدَ" عَلَى إِرَادَةِ التَّنْوِينِ فِي" عَمَرَةً". وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سُقَايَةً بِضَمِّ السِّينِ، وَهِيَ لُغَةٌ. وَالْحَاجُّ اسْمُ جِنْسِ الْحُجَّاجِ. وَعِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: مُعَاهَدَتُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا مُبْطِلَةٌ قَوْلَ مَنِ افْتَخَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِسِقَايَةِ الْحَاجِّ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، كَمَا ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ. قَالَ: افْتَخَرَ عَبَّاسٌ بِالسِّقَايَةِ، وَشَيْبَةٌ بِالْعِمَارَةِ، وَعَلِيٌّ بِالْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، فَصَدَّقَ اللَّهُ عَلِيًّا وَكَذَّبَهُمَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تكون بالكفر،

(١). كذا في جميع الأصول. [..... ]
(٢). في نسخ الأصل: (ابن أبي وجزة) إلا ى: وجزة. وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon