(لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) وَلَكِنْ لَمَّا رَأَى الْبُرْهَانَ مَا هَمَّ، وَهَذَا لِوُجُوبِ الْعِصْمَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فَإِذَا فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ «١» رَبِّهِ هَمَّ بِهَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أَقْرَأُ غَرِيبَ الْقُرْآنِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ:" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها" الْآيَةَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: أَيْ هَمَّتْ زَلِيخَاءُ بِالْمَعْصِيَةِ وَكَانَتْ مُصِرَّةً، وَهَمَّ يُوسُفُ وَلَمْ يُوَاقِعْ مَا هَمَّ بِهِ، فَبَيْنَ الْهَمَّتَيْنِ فَرْقٌ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ. قَالَ جَمِيلٌ:
هَمَمْتُ بِهَمٍّ مِنْ بُثَيْنَةَ لَوْ بَدَا | شَفَيْتُ غَلِيلَاتِ الْهَوَى مِنْ فُؤَادِيَا |
هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي | تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ |
(٢). هذا هو اللائق بالمعصوم دون سواه من المعاني.
(٣). الهيمان شداد السراويل.