قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) قِيلَ: قَالَ لَهَا ذَلِكَ الْعَزِيزُ عِنْدَ قَوْلِهَا:" مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً" [يوسف: ٢٥]. وَقِيلَ: قَالَهُ لَهَا الشَّاهِدُ. وَالْكَيْدُ: الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [الْأَنْفَالِ «١»]. (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وَإِنَّمَا قَالَ" عَظِيمٌ" لِعِظَمِ فِتْنَتِهِنَّ وَاحْتِيَالِهِنَّ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ وَرْطَتِهِنَّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:" إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً" «٢» [النساء: ٧٦] وَقَالَ:" إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) الْقَائِلُ هَذَا هُوَ الشَّاهِدُ. وَ" يُوسُفُ" نِدَاءٌ مُفْرَدٌ، أَيْ يَا يُوسُفُ، فَحُذِفَ." أَعْرِضْ عَنْ هَذَا" أَيْ لَا تَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ وَاكْتُمْهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: وَأَنْتَ (اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) يَقُولُ: اسْتَغْفِرِي زَوْجَكِ مِنْ ذَنْبِكِ لَا يُعَاقِبْكِ. (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الْخَاطِئَاتِ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، فَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ، وَالْمَعْنَى: مِنَ النَّاسِ الْخَاطِئِينَ، أَوْ مِنَ الْقَوْمِ الْخَاطِئِينَ، مِثْلُ:" إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ" «٣» [النمل: ٤٣] " وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ" «٤» [التحريم: ١٢]. وَقِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لِيُوسُفَ أَعْرِضْ وَلَهَا اسْتَغْفِرِي زَوْجُهَا الْمَلِكُ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَيُورًا، فَلِذَلِكَ، كَانَ سَاكِنًا. وَعَدَمُ الْغَيْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ مَوْجُودٌ. الثَّانِي- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَبَهُ الْغَيْرَةَ وَكَانَ فِيهِ لُطْفٌ بِيُوسُفَ حَتَّى كُفِيَ بَادِرَتَهُ وَعَفَا «٥» عَنْهَا.
[سورة يوسف (١٢): الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)

(١). راجع ج ٧ ص ٣٨٦.
(٢). راجع ج ٥ ص ٢٨٠. [..... ]
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢٠٧.
(٤). راجع ج ١٨ ص ٢٠٤.
(٥). في ع وك وى: حلم.


الصفحة التالية
Icon