وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ [ثُمَّ يَمُوتُ «١»] وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أَيْ فِي شَكٍّ. (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ. (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أَيِ الْقُرْآنُ مِنَ اللَّهِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فِي أَنَّ الْكَافِرَ فِي النَّارِ. إِنَّهُ الْحَقُّ أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ الْكَائِنُ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ جميع المكلفين.
[سورة هود (١١): الآيات ١٨ الى ١٩]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَأَضَافُوا كَلَامَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا، وَقَالُوا لِلْأَصْنَامِ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) أَيْ يُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنِ" الْأَشْهادُ" فَقَالَ: الْمَلَائِكَةُ. الضَّحَّاكُ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ:" فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً" «٢» [النساء: ٤١]. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ بَلَّغُوا الرِّسَالَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ قَالَ:" وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ". (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أَيْ بُعْدُهُ وَسَخَطُهُ وَإِبْعَادُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى الذين وضعوا العبادة في غير موضعها.

(١). زيادة عن صحيح مسلم.
(٢). راجع ج ٥ ص ١٩٧.


الصفحة التالية
Icon