خَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَدْرُونَ خَلْقَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِ آلِهَتِهِمْ. (قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ:" اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ"، فَلَزِمَ لِذَلِكَ أَنْ يعبده كل شي. وَالْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ خَلَقُوا كَمَا خَلَقَ اللَّهُ. (وَهُوَ الْواحِدُ) قبل كل شيء." الْقَهَّارُ" الغالب لكل شي، الَّذِي يَغْلِبُ فِي مُرَادِهِ كُلَّ مُرِيدٍ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِيمَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِالصَّانِعِ، أَيْ سَلْهُمْ عَنْ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَسْهُلُ تَقْرِيرُ الْحُجَّةِ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَقْرُبُ الْأَمْرُ مِنَ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ عَجْزَ الْجَمَادُ وَعَجْزَ كُلِّ مَخْلُوقٍ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَعْلُومٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَبَانَ أَنَّ الصَّانِعَ هُوَ اللَّهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ اعْتِدَادُ الشَّرِيكِ لَهُ؟! وَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَاشْتَبَهَ الْخَلْقُ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فِعْلُ هَذَا عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ، فَبِمَ يُعْلَمُ أَنَّ الْفِعْلَ مِنَ اثْنَيْنِ؟!.
[سورة الرعد (١٣): الآيات ١٧ الى ١٩]
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) ضَرَبَ مَثَلًا لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَشَبَّهَ الْكُفْرَ بِالزَّبَدِ الَّذِي يَعْلُو الْمَاءَ، فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ وَيَعْلَقُ بِجَنَبَاتِ الْأَوْدِيَةِ، وَتَدْفَعُهُ الرِّيَاحُ، فَكَذَلِكَ يَذْهَبُ الْكُفْرُ وَيَضْمَحِلُّ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: