وَقِيلَ: هُوَ لُغَةُ هَوَازِنَ، أَيْ أَفَلَمْ يَعْلَمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَيَتَبَيَّنُوا، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ «١»:

أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَيْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ
يَيْسِرُونَنِي مِنَ الْمَيْسَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» وَيُرْوَى يَأْسِرُونَنِي مِنَ الْأَسْرِ. وقال رباح بن عدي:
ألم ييأس الْأَقْوَامُ أَنِّي [أَنَا] «٣» ابْنُهُ وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ الْعَشِيرَةِ نَائِيَا
فِي كِتَابِ الرَّدِّ" أَنِّي أَنَا ابْنُهُ" وَكَذَا ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ: أَلَمْ يَعْلَمْ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أَفَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا الْآيَاتِ. وَقِيلَ: هُوَ من اليأس المعروف، أي أفلم ييأس الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ هِدَايَتَهُمْ لَهَدَاهُمْ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَمَنَّوْا نُزُولَ الْآيَاتِ طَمَعًا فِي إِيمَانِ الْكُفَّارِ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ:" أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا" مِنَ الْبَيَانِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وقيل لابن عباس المكتوب" أَفَلَمْ يَيْأَسِ" قَالَ: أَظُنُّ الْكَاتِبَ كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ، أَيْ زاد بعض الحروف حتى صار" يَيْأَسِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ قَرَأَ-" أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا" وَبِهَا احْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الصَّوَابُ فِي التِّلَاوَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ، لِأَنَّ مُجَاهِدًا وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حَكَيَا الْحَرْفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ بِقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَرِوَايَتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ إِنَّ مَعْنَاهُ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَحْتَ اللَّفْظَةِ الَّتِي خَالَفُوا بِهَا الْإِجْمَاعَ فَقِرَاءَتُنَا تَقَعُ عَلَيْهَا، وَتَأْتِي بِتَأْوِيلِهَا، وَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ الْمَعْنَى الْآخَرَ الَّذِي الْيَأْسُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ فَقَدْ سَقَطَ مِمَّا أوردوا،
(١). ذكر في" لسان العرب" أن قائل البيت هو سحيم بن وثيل اليربوعي،: وذكر بعض العلماء أنه قال لولده جابر ابن سحيم بدليل قوله فيه:" أنى ابن فارس زهدم" وزهدم: فرس سحيم. وقوله: ييسروننى من أيسار الجزور، أي يجتزروننى ويقتسمونني، وذكر ذلك لأنه كان قد وقع عليه سباء فضربوا عليه بالميسر يتحاسبون على قسمة فدائه.
(٢). راجع ج ٣ ص ٥٣.
(٣). من البحر لأبى حيان، وكتاب الرد.


الصفحة التالية
Icon