[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ١٨ الى ٢٠]
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي رَفْعِ" مَثَلُ" فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: ارْتَفَعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ، التَّقْدِيرُ: وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَوْ يُقَصُّ" مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ" ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ:" أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ" أَيْ كَمَثَلِ رَمَادٍ (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ). وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْفَرَّاءِ عَلَى إِلْغَاءِ الْمَثَلِ، التقدير: والذين كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ عَنْهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً كَمَا يُقَالُ: صِفَةُ فُلَانٍ أَسْمَرُ، فَ" مَثَلُ" بِمَعْنَى صِفَةُ. وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ جَرُّ" أَعْمالُهُمْ" عَلَى بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنَ" الَّذِينَ" وَاتَّصَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ:" وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" وَالْمَعْنَى: أَعْمَالُهُمْ مُحْبَطَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. وَالرَّمَادُ مَا بَقِيَ بَعْدَ احْتِرَاقِ الشَّيْءِ، فَضَرَبَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ مَثَلًا لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهُ يَمْحَقُهَا كَمَا تَمْحَقُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الرَّمَادَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. وَالْعَصْفُ شِدَّةُ الرِّيحِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا فِيهَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي وَصْفِ الْيَوْمِ بِالْعُصُوفِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا- أَنَّ الْعُصُوفَ وَإِنْ كَانَ لِلرِّيحِ فَإِنَّ الْيَوْمَ قَدْ يُوصَفُ بِهِ، لِأَنَّ الرِّيحَ تَكُونُ فِيهِ، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: يَوْمٌ عَاصِفٌ، كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ حَارٌّ وَيَوْمٌ بَارِدٌ، وَالْبَرْدُ وَالْحَرُّ فِيهِمَا. وَالثَّانِي- أَنْ يُرِيدَ" فِي يَوْمٍ عاصِفٍ" الرِّيحَ، لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كَاسِفُ
يُرِيدُ كَاسِفُ الشَّمْسِ فَحَذَفَ، لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ، ذَكَرَهُمَا الْهَرَوِيُّ. وَالثَّالِثُ- أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ الرِّيحِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَتْبَعَ إِعْرَابَهُ كَمَا قِيلَ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، ذَكَرَهُ