نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، يُقَالُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِي دِينُ مُحَمَّدٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ". قلت: وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مَوْقُوفًا فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ [أَنَّهُ] قَوْلُهُ «١»، وَالصَّحِيحُ فِيهِ الرَّفْعُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكِتَابِ النَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ، عَنِ «٢» الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إذا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ آتٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ". وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" وَبَيَّنَّا هُنَاكَ مَنْ يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ وَيُسْأَلُ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ: رَأَيْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: أَتَانِي فِي قَبْرِي مَلَكَانِ فَظَّانِ غَلِيظَانِ، فَقَالَا: مَا دِينُكَ وَمَنْ رَبُّكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَأَخَذْتُ بِلِحْيَتِي الْبَيْضَاءِ وَقُلْتُ: أَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا وَقَدْ عَلَّمْتُ النَّاسَ جَوَابَكُمَا ثَمَانِينَ سَنَةً؟! فَذَهَبَا وَقَالَا «٣»: أَكَتَبْتَ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ؟ قُلْتُ نَعَمْ! فَقَالَا: إِنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ [عَلِيًّا] «٤» فَأَبْغَضَهُ اللَّهَ. وَقِيلَ: مَعْنَى،" يُثَبِّتُ اللَّهُ" يُدِيمُهُمُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:

يُثَبِّتُ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرَا
وَقِيلَ: يُثَبِّتُهُمْ فِي الدَّارَيْنِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَجَمَاعَةٌ:" فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" أَيْ فِي الْقَبْرِ، لِأَنَّ الْمَوْتَى فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يُبْعَثُوا،" وَفِي الْآخِرَةِ" أَيْ عِنْدَ الْحِسَابِ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا المسألة في القبر، وبالآخرة المسألة فِي الْقِيَامَةِ: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ أَيْ عَنْ حُجَّتِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا ضَلُّوا فِي الدُّنْيَا
(١). أي قول البراء.
(٢). في ى: قال البراء. [..... ]
(٣). في التهذيب غير هذا فليراجع.
(٤). في الأصول" عثمان" ومثله في كتاب" التذكرة" للمؤلف. والذي في" تهذيب التهذيب" أنه كان يبغض عليا.


الصفحة التالية
Icon