قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) أَيْ مَا نَفْهَمُ، لِأَنَّكَ تَحْمِلُنَا عَلَى أُمُورٍ غَائِبَةٍ مِنَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَتَعِظُنَا بِمَا لَا عَهْدَ لَنَا بِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: قَالُوا ذَلِكَ إِعْرَاضًا عَنْ سَمَاعِهِ، وَاحْتِقَارًا لِكَلَامِهِ، يُقَالُ: فَقِهَ يَفْقَهُ إِذَا فَهِمَ فِقْهًا، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: فَقُهَ فَقَهًا وَفِقْهًا إِذَا صَارَ فَقِيهًا «١». (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مصابا ببصره «٢»، قاله سعيد ابن جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: كَانَ ضَعِيفَ الْبَصَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَحَكَى عَنْهُ النَّحَّاسُ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ حِمْيَرَ تَقُولُ لِلْأَعْمَى ضَعِيفًا، أَيْ قَدْ ضَعُفَ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ، لَهُ ضَرِيرٌ، أَيْ قَدْ ضُرَّ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ لَهُ: مَكْفُوفٌ، أَيْ قَدْ كُفَّ عَنِ النَّظَرِ بِذَهَابِ بَصَرِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ مَهِينٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ضَعِيفُ الْبَدَنِ، حَكَاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَحِيدًا لَيْسَ لَكَ جُنْدٌ وَأَعْوَانٌ تَقْدِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا. وَقِيلَ: قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَسِيَاسَةِ أَهْلِهَا وَ" ضَعِيفاً" نصب على الحال. (وَلَوْلا رَهْطُكَ) رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَرَهْطُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ وَيَتَقَوَّى بِهِمْ، وَمِنْهُ الرَّاهِطَاءُ لِجُحْرِ الْيَرْبُوعِ، لِأَنَّهُ يَتَوَثَّقُ بِهِ وَيَخْبَأُ فِيهِ وَلَدَهُ. وَمَعْنَى" (لَرَجَمْناكَ) " لَقَتَلْنَاكَ بِالرَّجْمِ، وَكَانُوا إِذَا قَتَلُوا إِنْسَانًا رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَكَانَ رَهْطُهُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى" لَرَجَمْناكَ" لَشَتَمْنَاكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:
تَرَاجَمْنَا بِمُرِّ الْقَوْلِ حَتَّى | نَصِيرَ كَأَنَّنَا فَرَسَا رِهَانِ |
(٢). ليس شعيب الرسول عليه السلام ضريرا لأن هذا الوصف ينافي العصمة مما يقدح وإنما شعيب الضرير هو صاحب موسى وليس بنبي وبينهما ثلاثمائة سنة.