أصحاب النبي ﷺ، إلى أرض الحبشة، وإلى المدينة بعد ذلك خوفاً على أنفسهم، فلو كان من التوكل إلقاء العبد نفسه في التهلكة، وترك الاحتراز من المَخُوفِ، ولَقْيُ العدو بغير سلاح، ومباشرةُ السباع، لكان رسول الله ﷺ، وأصحابه أولى بذلك بل خافوا وفرُّوا، وسلحوا واحترزوا.
وقد حكى الله تعالى، عن موسى، عليه السلام، الخَوْفَ فقال: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١]، وقال: ﴿فَأَصْبَحَ فِي المدينة خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]، وقال: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ﴾ [طه: ٦٧ - ٦٨].
فالملقي بيده إلى التهلكة من عدو أو سبع، ولا علم عنده أن الله تعالى، لا يسلطه عليه آثم في نفسه، مُعِينٌ على قتل نفسه، مُجَرِّبٌ لقدرة ربه، جلت عظمته، مُعْجَبٌ بنفسه، دَالٌ على ربه، سبحانه، / وليس هذا من صفات الصالحين، بل أنفسهم عندهم أَنْقَصُ وَأَذَلُّ، هم وَجِلُون ألا تقبل منهم أعمالهم! فكيف يدلون بأعمالهم! قال الله تعالى: ﴿ والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ المؤمنون: ٦١]، أي: يعلمون ما عملوا من الخير وهم خائفون