ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾.
أي: وسخرنا له من الشياطين قوماً يغوصون له في البحر، " ويعملون عملاً دون ذلك " يعني البنيان والتماثيل والمحاريب وغير ذلك من الأعمال.
قال الفراء: دون ذلك: أي: سوى ذلك.
فإن قيل: كيف تهيأ للجن هذه الأعمال من البنيان العظيم واستخراج الدر من قعور البحار وغير ذلك، وأجسامهم رقيبة ضعيفة لا تقدر على حمل الأجسام العظام ولا تقدر على ضر الناس إلا بالوسوسة لضعفهم ورقة أجسامهم. فالجواب أن الذين سخروا لهذه الأعمال أعطاهم الله قوة على ذلك، وذلك من إحدى المعجزات لسليمان. فلما مات سليمان، سلبهم الله تعالى تلك القوة، وردههم على خلقتهم الأولى، فلا يقدرون الآن على حمل الأجسام الكثيفة ونقلها. ولو أظهروا ذلك، وقدروا عليه، لدخلت على الناس شبهة من جهتهم وتوهيناً لمعجزات الرسل. وكذلك سخر الطير له بأن زاد في فهمها عنه وقبولها لأمره، وخوفها عقابه، وذلك من معجزات سليمان. فلما مات، زال ذلك عنها، ورجعت إلى ما خلقت عليه.
ثم قال تعالى: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾.
أي: لأعمالهم وأعدادهم وطاعتهم له، حافظين.
وقيل: المعنى: وكنا لهم حافظين، أن يفسدوا ما عملوا.