لأنه قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا﴾، وأصحاب المشئمة المذكبين الضّالين لم يورثوا كتاباً، ولا اصطفاهم الله ولا اختارهم، وقد أخبرنا في هذه السورة أنه إنما أورث الكتاب من اختباره واصطفاه. فالظالم لنفسه ليس هو من أصحاب المشئمة، والثلاثة الأصناف في " الواقعة " يراد بها جميع الخلق من الأولين والآخرين، والثلاثة الأصناف في هذه السورة في أمة محمد ﷺ خاصة لقوله: / ﴿أَوْرَثْنَا الكتاب﴾ ولقوله: ﴿الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا﴾، ولما نذكره من قول الصحاب والتابعين وما روي في ذكل عن النبي ﷺ.
من ذلك قول ابن عباس، قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا﴾ أي: الذين اخترنا من عبادنا، قال: معناه اخترنا منهم، فالظالم لنفسه هو الذي يموت على كبيرة لم يتب منها، والمقتصد هو الذي مات على صغائر - ولم يصب كبيرة - لم يتب منها، والسابق هو الذي مات تائباً من كبيرته وصغيرته، أو لم يصب ذلك فيحتاج إلى توبة. ولا يسلم من الصغائر واحد إلاّ يحيى بن زكريا، فأمّا الكبائر فالأنبياء معصومون منها، وسائر الخلق غير معصومين منها إلاّ من شاء الله أن يعصمه. ومعنى " اصطفينا ": اخترنا منهم، يعني أمة محمد ﷺ، أورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فالظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وروى ابو الدرداء: أنّ النبي ﷺ قال: " يَجِيءُ هَذَا السَّابِقُ بِالخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ بِلاَ حِسَابٍ، وَيَجِيءُ هَذَا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللهُ عَنْهُ، وَيَجِيءُ هَذَا الظَّالِمُ فَيُوقَفُ وَيُعَيَّرُ وَيُجْزَى وَيُغَرَّف ذُنُوبَهُ يُدْخِلُهُ اللهُ الجَنَّةِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ