فصل: مزية الكناية والاستعارة والتمثيل على الحقيقة وتفاوتها
إِعْلم أنَّ مِنْ شأن هذه الأجناس، أنْ تَجْريَ فيها الفضيلةُ، وأن تَتفاوَتَ التفاوتَ الشديدَ. أفَلا تَرى في الاستعارة العاميَّ المبتذَلَ، كقولنا: "رأيت أسداً"، ووَرَدْتُ بَحْراً، ولَقِيت بَدْراً؟
تفاوت الاستعارة والخاصيّ النادر منها
والخاصيُّ: النادرُ الذي لا تَجِدُه إلاَّ في كلام الفحول، ولا يَقْوى عليه إلا افرادُ الرجال، كقوله:
وسالتْ بأَعناقِ المَطِيِّ الأَباطِحُ
أراد أنها سارتْ سَيْراً حثيثاً في غاية السرعة، وكانت سرعةً في لِينٍ وسَلاسَةٍ كأنها كانت سُيُولاً وقعَتْ في تلك الأباطح، فَجَرتْ بها.
ومثلُ الاستعارة في الحُسْن واللطفِ وعُلوِّ الطبقة في هذه اللفظة بعينها، قولُ الآخر:
سالتْ عليه شِعابُ الحيِّ حينَ دَعا | أَنْصَارَهُ بوجُوهٍ كالدنانيرِ |
بديعُ الاستعارة ووجه حسْنه
ومِن بديع الاستعارة نادِرِها - إلا أن جهةَ الغرابةِ فيهِ، غيرُ جهتِها في هذا - قولُ يزيدَ بن مَسلمة بن عبد الملكِ يصف فرساً له، وأَنَّه مُؤدَّبٌ، وأنه إذا نزَلَ عنه وألقى عِنانَه في قَرَبوس سَرْجه، وقفَ مكانَه إلى أن يعودَ إليه [من الكامل]:
عوَّدْتُهُ فيما أَزورُ حَبَائبي | إهمالَه، وكذاكَ كلَّ مَخاطِر |
وإذا احْتَبى قَرَبوسُهُ بعِنانِهِ | عَلَك الشَّكيمَ إلى انصرافِ الزائرِ |
وسالتْ بأعناقِ المطيّ بالأباطحُ