ليست بأفضل من أبي بكر ولا عمر ولا من هو فوقهم من الصحابة، وكون الشيء يثبت تبعاً يعني هذا التكريم التبعي لا يعني ارتفاع المنزلة استقلالاً، يعني كون الإنسان من الطبقة العليا بالنسبة لأمور الدنيا -أمير وإلا وزير وإلا كبير وإلا ثري ويتنعم بملذوذات هذه الدنيا، يسكن المساكن الفاخرة، ويركب المراكب الفارهة، ويأكل المطاعم الناهية، وعنده خدم السائق مثلاً يأكل معه، ويسكن معه في بيته، هل نقول: إن هذا السائق أفضل من الطبقة التي تلي هذه من الأغنياء، ومن الأمراء، من نواب الوزراء مثلاً؟ لا.
كون الإنسان يكرم لغيره لا يعني أنه أفضل ممن دون ذلك الغير، تجد بعض الخدم والسائقين يسكنون في ملاحق عند من ينتسبون إلى خدمته ملاحق، وهذه الملاحق أفضل من بيوت كثير من أوساط الناس، ويأكلون من المطاعم أفضل مما يأكله كثير من الناس، لكن كون هذا يكرم من أجل غيره لا يعني أنه أكرم من غيره، لا، فأبو بكر وعمر أفضل من أمهات المؤمنين، والعشرة أفضل من أمهات المؤمنين، ومع ذلك دونهن في المنزلة؛ لأنهن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزلته، وهؤلاء الذرية من كبار وصغار ليسوا بأفضل ممن دون آبائهم وإن كانوا مع آبائهم في المنزلة، إلا إنهم لن يكونوا أفضل ممن دون آبائهم، يعني لو نظرت إلى أكبر عالم في البلد مثلاً عالم عامل، يعني أفضل من في البلد وعنده أولاد صغار وكبار، هل نقول: إن هؤلاء الأولاد أفضل من الشيخ الذي يليه في المرتبة لا؛ لأنهم أكرموا لا لذواتهم إنما أكرموا تبعاً لآبائهم، وكل هذا لأجل كلام ابن حزم في تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة.


الصفحة التالية
Icon