﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ﴾ [سورة الواقعة: ٤٣]، لأنه إذا لفحه السموم الحار وشرب من الماء الحار، هرع إلى ضل يستظل به فيجد الظل، فإذا وجده فإذا به من يحموم من دخان شديد السواد، يظنه ظل يتقي به من هذا السموم والحميم فيجده من يحموم، دخان شديد السواد لا بادر كغيره من الأظلال، الظل ليس ببارد، كما هو شأ الظل في الدنيا، الظل في الدنيا بالنسبة إلى العرى الشمس بارد، لا بارد كغيره من الضلال، ولا كريم حسن المنظر لأن فيه دخان شديد أسود ولا كريم، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ يعني: في الدنيا ﴿مُتْرَفِينَ﴾ [سورة الواقعة: ٤٥]، لماذا استحقوا مثل هذا العذاب؟ لأنهم كانوا قبل ذلك يعني: في الحياة الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، يتركون الواجبات؛ لأنها تشق عليهم، تشق عليهم الطاعات، إذا نودي لصلاة الصبح برد، إذا نودي لصلاة الظهر والله حر شديد، العصر وقت راحة، المغرب إلى أخره، مترفين متنعمين، ترف جاء في النصوص كلها مذموم، الترف مذموم والإخلاد إلى الدنيا والراحة وعدم تكليف النفس هذا كله مذموم، وهذا سبب خراب الأمم والدول، كما قرر ذلك ابن خلدون في مقدمته، ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾ [سورة الإسراء: ١٦]، فالترف مذموم والإخلاد إلى الراحة مذموم، لا بد أن يكون المسلم جاداً في حياته عاملا بما أوجب الله عليه مجتنب لما نهي عنه بحزم وعلم وقوة، لا تردد فيه.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ يعني: في الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ﴾ [سورة الواقعة: ٤٦]، الذنب يصرون على الذنب العظيم الذي هو الشرك، الذي هو أعظم الذنوب، فهم مشركون يعني: استحقوا الخلود في النار، لأنهم أصروا على الحنث العظيم، وقد يستحقون الدخول دخول النار من غير خلود لإصرارهم على الحنث، الذم الكبير من كبائر الذنوب، ولو لم يخلدوا فيها، إذا لم يصروا على شرك وماتوا على التوحيد فإنهم قد يعذبون بارتكابهم بعض الذنوب وإصرارهم عليها، يمتون على غير توبة منها، ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ﴾ يعني: الذنب العظيم الذي هو الشرك.


الصفحة التالية
Icon