فعله بهذا، فإذا كان من معاني النون التعظيم فليكن من معانيها التأكيد، لما ذكره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى، وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [(١) سورة الكهف] وقال: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ [(١٩) سورة الجن] وقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ [(١) سورة الإسراء].. الخ، هذه المقامات الثلاثة، وهي أشرف مقامات النبي -عليه الصلاة والسلام- عبّر فيها بالعبودية، وحكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة، لماذا؟ يقول: لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق، والرسالة من الحق إلى الخلق، هذا يقتضي شرف؟ نعم، يقتضي العكس، لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق، والرسالة من الحق إلى الخلق؛ ولأن الله متولي مصالح عبده، والرسول متولي مصالح أمته، يقول الحافظ ابن كثير: "وهذا القول خطأ، والتوجيه أيضاً ضعيف لا حاصل له مع أن الرازي لم يتعرض له بتضعيفٍ ولا رد، اقرأ.
﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [(٦) سورة الفاتحة] أي أرشدنا إليه، ويبدل منه ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ [(٧) سورة الفاتحة] بالهداية، ويبدل من الذين بصلته، ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ [(٧) سورة الفاتحة] وهم اليهود، ﴿وَلاَ﴾ وغير ﴿الضَّالِّينَ﴾ وهم النصارى، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذه الخاتمة لمن؟ لجلال الدين المحلي، في نهاية تفسير سورة الفاتحة انتهى نصيبه الذي يبدأ من الكهف إلى نهاية سورة الفاتحة، ثم يبدأ نصيب السيوطي من أول البقرة إلى نهاية سورة الإسراء على ما تقدم.


الصفحة التالية
Icon