فلا يخفى على أحد حتى من عامة المسلمين فضلاً عن طلاب العلم ما لكتاب الله -جل ذكره- من منزلة عظيمة في الإسلام، ولما لمن يعتني به من هذه الأمة من شرف، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [(٤٤) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك، فالعناية بكتاب الله تعلماً وتعليماً، قراءةً وإقراءً، حفظاً فهماً تدبراً من أولى ما يقضي به الإنسان أنفاسه وعمره المحدود؛ لينال بذلك رفعة الدارين شريطة أن يكون مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك كله، القرآن لسنا بحاجة إلى بيان منزلته من سائر الكلام، وأنه كلام الله، وأن من قام يقرأه كأنما يخاطب الله -جل علا-، لكن مع الأسف أنه يلاحظ عند كثير ممن يعتني بطلب العلم إهمال جانب التفسير، قد يعنى طلاب العلم بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، يعنون بحفظه والبوادر -ولله الحمد- طيبة، وحلقات التحفيظ لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، والطلاب والطالبات يعني من الجنسين ممن يلتحق بهذه الحلقات ألوف مؤلفة -ولله الحمد-، بعد أن كانوا يعدون أفراداً في كل بلد، صاروا لا يمكن حصرهم ولا عدهم، لا يجمعهم ديوان ولا يعدهم عاد، فهذه من نعم الله -جل وعلا-، لكن هذه وسيلة إلى ثمرة عظمى، وسيلة إلى ثمرة عظمى وهي العمل بكتاب الله -جل وعلا-، والعمل بالقرآن لا يتسنى إلا بعد فهمه، وفهمه لا يمكن إلا عن طريق سلف هذه الأمة، وفهم هذه الأمة، ولذا يذكر في أولى ما يفسر به كلام الله هو كلام الله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- قد يجمل في موضع ويبين في موضع آخر، وما في تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- من العناية بهذا النوع دليل واضح على ذلك، وكذلك ما سلكه الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- من إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا معروف ومسلوك عند أهل العلم، ثم بعد ذلك يلي ما ذكرنا تفسير القرآن بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو المبين عن الله، وظيفته البيان عما جاء عن الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك فهم السلف الصالح الذين لم تتلوث أفكارهم، ولم تتغير فطرهم، ولا محيص ولا محيد عن فهمهم، ثم بعد ذلك ما يفهم وما يدرك في لغة العرب وأساليبها، وفنون العلم المختلفة.


الصفحة التالية
Icon