وبهذا يتضحُ فسادَ ما قيل أنه استئنافٌ جواباً لسؤال يقتضيه إجراءُ تلك الصفات العظامِ على الموصوف بها فكأنه قيل ما شأنُكم معه وكيف توجُّهكم إليه فأجيب بحصْر العبادة والاستعانة فيه فإن تناسِيَ جانبِ السائل بالكلية وبناءَ الجواب على خِطابه عز وعلا مما يجب تنزيهُ ساحةِ التنزيلِ عن أمثاله والحقُّ الذي لا محيدَ عنه أنَّهُ استئنافٌ صدرَ عن الحامد بمحضِ ملاحظةِ اتصافِهِ تعالى بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلةِ الموجبة للإقبال الكليّ عليه من غير أن يتوسط هناك شيء آخرُ كما ستحيطُ به خبرا أو إيثار الرفعِ على النصب الذي هو الأصلُ للإيذان بأن ثبوتَ الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مُثبت وأن ذلك أمرٌ دائمٌ مستمرٌ لا حادثٌ متجددٌ كما تفيده قراءةُ النصب وهو السر في كون تحية الخليل للملائكة عليهم التحيةُ والسَّلامُ أحسنَ منْ تحيتهم له في قولِه تعالَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ وتعريفُه للجنس ومعناه الإشارةُ إلى الحقيقة من حيث هي حاضرةٌ في ذهن السامع والمراد تخصيصُ حقيقةِ الحمدِ به تعالى المستدعي لتخصيص جميعِ أفرادِها به سبحانه على الطريق البرهاني لكنْ لا بناءً عَلى أن أفعال العبادِ مخلوقةٌ له تعالى فتكونَ الأفرادُ الواقعة بمقابلة ما صدرَ عنهُم من الأفعال الجميلة راجعةً إليه تعالى بل بناءً على تنزيل تلك الأفراد ودواعيها في المقام الخطابيّ منزلةَ العدم كيفاً وكماً وقد قيل للإستغراق الحاصل بالقصد إلى الحقيقة من حيث تحققُها في ضمن جميع أفرادها حسبما يقتضيه المقام وقرئ الحمدُ لُلَّهِ بكسر الدال إتباعاً لها باللام وبضم اللام إتباعاً لها بالدال بناء على تنزيل الكلمتين لكثرة استعمالهما مقترنتين منزلة كلمةٍ واحدة مثل المِغِيرة ومُنْحَدُرُ الجبل
﴿رَبّ العالمين﴾ بالجر على أنه صفةٌ لله فإن إضافته حقيقيةً مفيدةٌ للتعريف على كل حال ضرورةَ تعيُّن إرادة الاستمرار وقرئ منصوباً على المدح أو بما دلَّ عليهِ الجملةُ السابقة كأنه قيل نحمد الله ربَّ العالمين ولا مساغَ لنصبه بالحمد لقلة أعمال المصدر المُحلى باللام وللزوم الفصل بين العامل والمعمول بالخبر والرب في الأصل مصدرٌ بمعنى التربية وهي تبليغُ الشئ إلى كمالِه شيئاً فشيئاً وُصف به الفاعل مبالغة كالعدل وقيل صفة مشبهة من ربَّه يرُبُّه مثل نمَّه يُنمُّه بعد جعله لازماً بنقله إلى فعُل بالضمِّ كما هو المشهور سُمّي به المالكُ لأنه يحفظ ما يملِكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيد كربُّ الدار وربُّ الدابة ومنه قوله تعالى فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وقوله تعالى ارْجِعْ إِلَى رَبّكَ وما في الصحيحين من أنه ﷺ قال لا يَقُل أحدُكم أطعم ربك وضئ ربَّك ولا يَقُلْ أحدُكم ربِّي ولْيَقُل سَيّدي ومولاي فقد قيل إن النهيَ فيه للتنزيه وأما الأ رباب فحيث لم يكن إطلاقُه على الله سبحانه جاز في إطلاقه الإطلاق والتقييد كما في قوله تعالى أأرباب متفرقون خير الآية والعالم اسمٌ لما يُعْلَم به كالخاتَم والقالَب غلب فيما يُعْلَم به الصانعُ تعالى من المصنوعات أي في القَدْرِ المشترك بين أجناسها وبين مجموعِها فإنه كما يُطلق على كل جنسٍ جنسٌ منها في قولهم عالم الأفلاك وعالمُ العناصر وعالمُ النبات وعالم الحيوان إلى غير ذلك يطلق على المجموع أيضاً كما في قولنا العالم بجميع أجزائه مُحْدَث وقيل هو اسم لأولي العلم من الملائكة والثقلين وتناولُه لما سواهم بطريق الاستتباع وقيل أريد به الناسُ فقط فإنَّ كلَّ واحدٍ منهم من حيث اشتمالُه على نظائِر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يُعلم بها الصانع كما يعلم بما فيه عالَم على حِيالِه ولذلك أمُر بالنظر في الأنفس كالنظر في الآفاق فقيل وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ والأول هو الأحق الأظهر وإيثارُ صيغة الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع