١٢ - آل عمران
الظاهر على أنه يلزَمُ الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي على تقدير النصب بلن تغني وهو قوله تعالى وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار إلا أن يُجعل استئنافاً معطوفاً على خبر إن فالوجهُ هو الرفعُ على الخبريةِ أيِ دأبُ هؤلاءِ في الكفر وعدمِ النجاة من أخْذِ الله تعالى وعذابه كدأب آلِ فِرْعَوْنَ
﴿والذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل آلِ فرعونَ من الأمم الكافرة فالموصولُ في محل الجر عطفاً على ما قبله وقوله تعالى
﴿كذبوا بآياتنا﴾ بيانٌ وتفسير لدأبهم الذي فعلوا على طريق الاستئنافِ المبنيِّ على السؤالِ كأنَّه قيلَ كيف كان دأبهم فقيل كذبوا بآياتنا وقوله تعالى
﴿فَأَخَذَهُمُ الله﴾ تفسيرٌ لدأبهم الذي فُعل بهم أي فأخذهم الله وعاقبهم ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصاً فدأبُ هؤلاء الكفرةِ أيضاً كدأبهم وقيل كذبوا الخ حالٌ من آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ على إضمار قد أي دأبُ هؤلاء كدأب أولئك وقد كذبوا الخ وأما كونه خبر عن الموصول كما قيل فمما يذهب برونق النطم الكريم والالتفاتُ إلى التكلم أولاً للجَريِ على سَنَنِ الكبرياءِ وإلى الغَيبة ثانياً بإظهار الجلالة لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة
﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ إن أريد بها تكذيبُهم بالآيات فالباء للسببية جئ بها تأكيداً لما تفيده الفاء من سببية ما قبلَها لما بعدَها وإن أريد بها سائرُ ذنوبهم فالباء للملابسة جيء بها للدِّلالةِ على أن لهم ذنوبا أخر أي فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غيرَ تائبين عنها كما في قوله تعالى وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون والذنب في الأصل التِلْوُ والتابع وسمي الجريمةُ ذنباً لأنها تتلو أي تتبع عقابُها فاعلَها
﴿والله شَدِيدُ العقاب﴾ تذييلٌ مقرِّر لمضمونِ ما قبله من الأخذ وتكملةٌ له
﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ المرادُ بهم اليهودُ لما رويَ عن ابن عباس رضيَ الله عنهما أنَّ يهودَ المدينة لما شاهدوا غلبةَ رسولِ الله ﷺ على المشركين يومَ بدرٍ قالوا والله إنه النبيُّ الأميُّ الذي بشرنا به موسى وفي التوراة نعتُه وهموا باتباعه فقال بعضُهم لا تعجَلوا حتى ننظر إلى واقعة له أخرى فلما كان يومُ أحُد شكّوا وقد كان بينهم وبين رسولِ الله ﷺ عهدٌ إلى مدة فنقضوه وانطلق كعبُ بن الأشرفِ في ستين راكباً إلى أهل مكة فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله ﷺ فنزلت وعن سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس رضي الله عنهم أن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لما أصاب قريشاً ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهودَ في سوق بني قَينُقاع فحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش فقالوا لا يغرَّنك أنك لقِيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبْتَ منهم فرصة لئن قاتلْتَنا لعلِمْتَ أنا نحنُ الناسُ فنزلت أي قل لهم
﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ اْلبتةَ عن قريب في الدنيا وقد صدق الله عز وجل وعدَه بقتل بني قريظة وإجلاءِ بني النضِير وفتح خيبر وضربِ الجزية على مَنْ عداهم وهو من أوضح شواهد النبوة وأمَّا ما رُوِيَ عن مقاتل من أنها نزلت قبل بدر وأن الموصول عبارة عن مشركي مكةَ ولذلك قال لهم النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم يوم بدر إنَّ الله غالبُكم وحاشرُكم إلى جهنم وبئس المهاد فيؤدي إلى انقطاع الآية الكريمة عما بعدها لنزوله بعد وقعة بدر
﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ أي في الآخرة
﴿إلى جهنم﴾ وقرئ الفعلان بالياء على أنه عليهِ السلامُ أُمر بأنْ يحكي لهم ماأخبر الله تعالى به من وعيدهم بعبارته كأنه قيل أدِّ إليهم هذا القول
﴿وَبِئْسَ المهاد﴾ إما من تمامِ ما يُقالُ لهم أو استئنافٌ لتهويل جهنم وتفظيع حالِ أهلها والمخصوصُ بالذم