٢٦ - النساء صلاحِ حالِه ولا ضررَ أعظمُ من مُواقَعه المآثمِ بارتكاب أفحشِ القبائحِ وقيل أريد به الحدُّ لأنه إذا هَوِيَها يخشى أن يواقعها فيحد والأول هو اللائقُ بحال المؤمنِ دون الثاني لإبهامه أن المحذورَ عنده الحدُّ لا ما يوجبه
﴿وَأَن تَصْبِرُواْ﴾ أي عن نكاحهن متعفِّفين كآفّين أنفسَكم عما تشتهيه من المعاصي
﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من نكاحهن وإن سبَقَت كلمةُ الرُّخصةِ فيه لما فيه من تعريض الولدِ للرق قال عمرُ رضي الله عنه أيُّما حرَ تزوّج بأمة فقد أرَقَّ نصفَه وقالَ سعيدُ بنُ جُبَيرٍ ما نكاحُ الأمةِ من الزنا إلا قريبٌ ولأن حقَّ المولى فيها أقوى فلا تخلُصُ للزوج خُلوصَ الحرائرِ ولأن المولى يقدِرُ على استخدامها كيفما يريد في السفر والحضَرِ وعلى بيعها للحاضرِ والبادي وفيه من اختلال حالِ الزوجِ وأولادِه مالا مزيدَ عليه ولأنها مُمتهنةٌ مبتذَلةٌ خرّاجةٌ ولاّجةٌ وذلك كلُّه ذلٌّ ومهانةٌ ساريةٌ إلى الناكح والعزةُ هي اللائقةُ بالمؤمنين ولأن مَهرَها لمولاها فلا تقدِر على التمتع به ولا على هِبته للزوج فلا ينتظم أمرُ المنزلِ وقد قال ﷺ الحرائِرُ صلاحُ البيتِ والإماءُ هلاكُ البيتِ
﴿والله غَفُورٌ﴾ مبالِغٌ في المغفرة فيغفرُ لمن لم يصبِرْ عن نكاحهن مافى ذلك من الأمور المنافيةِ لحال المؤمنين
﴿رَّحِيمٌ﴾ مبالغٌ في الرحمة ولذلك رَخّص لكم في نكاحهن
﴿يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير ما سبق من الأحكام وبيانِ كونِها جاريةً على مناهج المهتدين من الأنبياء والصالحين قيل أصلُ النظمِ الكريمِ يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللامُ لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرداة ومفعولُ يبين محذوفٌ ثقةً بشهادة السباقِ والسياقِ أي يريد الله أن يبين لكم ما هو خفيٌ عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالِكم أو ما تعبَّدَكم به من الحلال والحرامِ وقيل مفعولُ يريد محذوفٌ تقديرُه يريد الله تشريعَ ما شرَع من التحريم والتحليلِ لأجل التبيينِ لكم وهذا مذهبُ البصريين ويعزى إلى سيبويهِ وقيل إن اللامَ بنفسها ناصبةٌ للفعل من غير إضمارِ أن وهي وما بعدها مفعولٌ للفعل المتقدمِ فإن اللامَ قد تقام مَقامَ أن في فعل الإرادةِ والأمرِ فيقال أؤدت لأذهبَ وأن أذهبَ وأمرتك لتقومَ وأن تقوم قال تعالى ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله﴾ وفي موضع ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ﴾ وقال تعالى ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ﴾ وفي موضع ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ﴾ وفي آخر ﴿وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أي أن أعدل بينكم وهذا مذهبُ الكوفيين ومنعه البصريون وقالوا إن وظيفةَ اللامِ هي الجرُّ والنصبُ فيما قالوا بإضمار أن أي أُمِرنا بما أمرنا لنُسلم ويريدون ما يريدون ليطفئو وقيل يؤوّل الفعلُ الذي قبل اللامِ بمصدر مرفوعِ بالابتداء ويُجعل ما بعده خبراً له كما في تسمعُ بالمُعَيديِّ خيرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ أي أن تسمع به ويعزى به هذا الرأيُ إلى بعض البصْريين
﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين من قبلكم﴾ من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم
﴿وَيَتُوبَ عليكم﴾ إذا تبتم إليه تعالى عما يقع منكم من النقصير والتفريط في مراعاة ماكلفتموه من الشرائع فإن المكلفَ قلما يخلو من تقصير يستدعي تلافِيَه بالتوبة ويغفرُ لكم ذنوبَكم أو يُرشدُكم إلى ما يردعكم عن المعاصي ويحثُكم على التوبة أو إلى ما يكون كفارةً لسيئاتكم وليس الخطابُ لجميع المكلفين حتى يتخلفَ مراده تعالى عن إرادته فيمن لم يتُبْ منهم بل لطائفة معينةٍ حصَلت لهم هذه التوبةُ
﴿والله عَلِيمٌ﴾ مبالغٌ في العلم بالأشياء التي من جملتها