الأنعام آية ٢٠ ٢١
﴿شَىْء أَكْبَرُ شهادة﴾ رُوِيَ أنَّ قريشاً قالُوا لرسول الله ﷺ يا محمد لقد سألنا عنك اليهودَ والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكرٌ ولا صفةٌ فأرنا من يشهد لك أنك رسولُ الله فنزلت فأي ممبتدأ وأكبر خبره وشهادة نصبعلى التمييز وقوله تعالى ﴿قُلِ الله﴾ امر له ﷺ بأن يتولَّى الجواب بنفسه إما للإيذان بتعيُّنه وعدمِ قدرتهم على أن يجيبوا بغيره أو لأنهم ربما يتلعثمون فيه لا لتردُّدهم في أنه أكبرُ من كل شيء بل في كونه شهيداً في هذا الشا قوله تعالى ﴿شهيد﴾ خبر ميتدأ محذوف أي هو شهيد ﴿بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ ويجوز أن يكون الله شهيد بيني وبينكم هو الجواب لأنه إذا كان هو الشهيدَ بينه وبينهم كان أكبرُ شيءٍ شهادةً شهيداً له ﷺ وتكريرُ البين لتحقيق المقابلة ﴿وَأُوحِىَ إِلَىَّ﴾ أي من جهتِه تعالَى ﴿هذا القرآن﴾ الشاهدُ بصِحة رسالتي ﴿لاِنذِرَكُمْ بِهِ﴾ بما فيه من الوعيد والاقتصارُ على ذكر الأنذار لما أن الكلام مع الكفرة ﴿وَمَن بَلَغَ﴾ عطفٌ على ضمير المخاطَبين أي لأنذركم به يا أهلَ مكةَ وسائرَ مَنْ بلغه من الأسودِ والأحمرِ أو من الثقلَيْن أو لأنذركم به أيها الموجودون ومَنْ سيوجد إلى يوم القيامة وهو دليلٌ على أن أحكام القرآن تعمُّ الموجودين يوم نزولِه ومن سيوجد بَعْدُ إلى يوم القيامة خلا أن ذلك بطريق العبارة في الكل عند الحنابلة بالإجماع عندنا في غير الموجودين وفي غير المكلفين يومئذ كما مر في أول سورة النساء ﴿أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى﴾ تقرير لهم مع إنكارواستبعاد ﴿قُل لاَّ أَشْهَدُ﴾ بذلك وإن شهدتم به فإنه باطل صِرْف ﴿قُلْ﴾ تكرير للأمر للتأكيد ﴿إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ أي بل إنما أشهد أنه تعالى لاَ إله إِلاَّ هو
﴿وَإِنَّنِى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ مِن الأصنام أو من إشراككم ﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ جواب عما سبق من قولهم لقد سألنا عنك اليهود والنصارى أُخِّر عن تعيين الشهيد مسارعةً إلى إلزامهم بالجواب عن تحكّمهم بقولهم فأرنا من يشهد لك الخ والمرادُ بالموصول اليهودُ والنصارى وبالكتاب الجنسُ المنتظمُ للتوراة والإنجيل وإيرادُهم بعنوان إيتاءِ الكتابِ للإيذان بمدار ما أسند غليهم بقوله تعالى ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي يعرفون رسول الله صه من جهة الكتابَيْن بحِلْيته ونُعوتِه المذكورة فيهما ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ﴾ بحِلاهم بحيث لا يشكون في ذلك أصلاً رُوِيَ أنَّ رسولَ الله ﷺ لما قدم المدينة قال عمر رضي الله عنه لعبدِ اللَّه بنِ سَلامٍ أنزل الله تعالى علي نبيه هذه الآيةَ وكيف هذه المعرفة فقال يا عمر لقد عرفتُه فيكم حين رأيته كما أعرِف ابني ولأنا أشدُّ معرفةً بمحمدٍ مني بابني لأني لا أدري ما صنع النساء وأشهد أنه حقٌّ من الله تعالى ﴿الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم﴾ من أهل الكتابين والمشركين بأن ضيعوه فطرة الله التي فطرَ النَّاسَ عليها وأعرضوا عن البينات الموجبةِ للإيمان بالكلية ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لما أنهم مطبوعٌ على قلوبهم ومحلُّ الموصولِ الرفعُ على الابتداء وخبرُه الجملة المصدرةُ بالفاء لِشَبَه الموصول بالشرط وقيل على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي هم الذين خسروا الخ وقيل على أنَّه نعتٌ للموصولِ الأول وقيل النصبُ على الذم فقوله تعالى فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ على الوجوه الأخيرة عطفٌ على جملة الذين آتيناهم الكتاب الخ
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾


الصفحة التالية
Icon