٦ -
الأنعام آية ٣٣
عمل يشغل النفس ويفطرها عما تنتفع به واللهوُ صرفُها عن الجدّ إلى الهزل والمعنى إما على حذف الماف أو على جعل الحياة الدنيا نفسَ اللعِب واللهوِ مبالغةً كما في قول الخنساء فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ أي وما أعمالُ الدنيا أي الأعمالُ المتعلقةُ بها من حيث هي هي أو وما هي من حيث إنها محلٌ لكسب تلك الأعمال إلا لعبٌ يشغَل الناسَ ويلهيهم بما فيه من منفعةٍ سريعة الزوال ولة وشيكة الاضمحلال عما يعقُبهم منفعة جليلة باقية ولذة حقيقية غير متناهية من الإيمان والعملِ الصالحِ ﴿وَلَلدَّارُ الاخرة﴾ التي هي محلُ الحياة الأخرى ﴿خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الكفرَ والمعاصِيَ لأن منافعها خالصةٌ عن المضارِّ ولذاتِها غيرُ مُنغّصةٍ بالآلام مستمرةٌ على الدوام ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان والفاء للعطف على مقدار أي تغفلون فلا تعقِلون أو ألا تتفكرون فتعقِلون وقرىء يعقلون على الغَيْبة
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذى يَقُولُونَ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لتسليةِ رسولِ الله ﷺ عن الحزن الذي يعتريه مما حُكي عن الكفرة من الإصرار على التكذيب والمبالغة فيه ببيان أنه عليه الصلاة والسلام بمكانة من الله عز وجل وأن ما يفعلونه في حقه فهو راجعٌ إليه تعالى في الحقيقة وأنه ينتقم منهم لا محالة أشدَّ انتقام وكلمةُ قد لتأكيد العلم بما ذكر المفيدِ لتأكيد الوعيدِ كما في قوله تعالى ما أنتم عليهخ وقوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين ونحوِهما بإخراجها إلى معنى التكثير حسبما يُخْرجُ إليه ربما في مثل قوله... وإنْ تُمْسِ مهجورَ الفِناء فربما أقام به بعد الوفود وفودُ جرياً على سَننِ العرب عند قصد الإفراط في التكثير تقول لبعض قُوادِ العساكر كم عندك من الفرسان فيقول رُبَّ فارسٍ عندِي وعندُه مقانبُ جَمةٌ يريد بذلكَ التماديَ في تكثير فُرسانه ولكنه يروم إظهارَ براءته عن التزيُّد وإبرازَ أنه ممَّن يقللُ كثيرَ مَا عنده فضلاً عن تكثير القلل وعليه قوله عز وجل رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ وهذه طريقةٌ إنما تُسلك عند كون الأمر من الوضوح بحيث لا تحو حوله شائبةُ ريبٍ حقيقةً كما في الآيات الكريمة المذكورة أو ادعاءً كما في البيت وقولِه... قَدْ أتركَ القِرْنَ مُصفرّاً أناملُهُ وقولِه ولكنه قد يُهلك المالَ نائِلُهْ والمراد بكثرة علمه تعالى كثرةُ تعلقِه وهو متعدَ إلى اثنين وما بعده ساد مسدهما واسمُ إن ضمير الشأن وخبرُها الجملة المفسرة له والموصولُ فاعل يحزنك وعائدُه محذوف أي الذي يقولونه وهو ما حُكي عنهم من قولهم إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين ونحوُ ذلك وقرىء لَيُحزِنُك من أحزن المنقول من حزن اللام وقوله تعالى ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يكذبونك﴾ تعليل لما يشعرون به الكلامُ السابق من النهي عن الاعتداد بما قالوا لكن لا بطريق التشاغل عنه وعدِّه هيناً والإقبالِ التام على ما هو أهمُّ منه من استعظام جحودهم بآيات الله عزَّ وجلَّ كما قيل فإنه مع كونِه بمعزلٍ من التسلية بالكلية مما يوهم كونَ حزنه عليه الصلاة والسلام لخاصة نفسه بل بطريق التسلِّي بما يفيده من بلوغه عليه الصلاة والسلام في جلالة القَدْرِ ورِفعة المحل والزُلفى من الله عز وجل إلى حيث لا غايةَ وراءَه حيثُ لم يقتصر على جعل تكذيبه ﷺ تكذيباً لآياته سبحانه على طريقة قوله تعالى مَّنْ يطع الرسول