الأنعام آية ٣٤
فَقَدْ أَطَاعَ الله بل نفى تكذيبهم عنه ﷺ وأثبت لآياته تعالى على طريقة قوله تعالى إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا ينعون الله أيذاناً بكمال القرب واضمحلال شئونه ﷺ في شأن الله عز وجل نعم فيه استعظام لجنايتاهم مُنْبىءٌ عن عظم عقوبتهم كأنه قيل لا تعتدَّ به وكِلْه إلى الله تعالى فإنهم في تكذيبهم ذلك لا يكذبونك في الحقيقة ﴿ولكن الظالمين بآيات الله يَجْحَدُونَ﴾ أي ولكنهم بآياته تعالى يكذّبون فوضَعَ المُظهرَ موضعَ المُضمر تسجيلاً عليهم بالرسوخ في الظلم الذي جحودهم هذا فن من فنونه والالتفاتُ إلى الإسم الجليل لتربية المهابة واستعظام ما أقدَموا عليه من جحود آياته تعالى وإيرادُ الجحود في مورد التكذيب للإيذان بأن آياتِه تعالى من الوضوح بحيث يشاهد صدقها كلُّ أحد وأن من ينكرها فإنما ينكرها بطريق الجحود الذي هو عبارةٌ عن الإنكار مع العلم بخلافه كما في قوله تعالى وَجَحَدُواْ بها واستيقنها أَنفُسُهُمْ وهو المعنيُّ بقول من قال إنه نفْيُ ما في القلب إثباتُه أو إثباتُ ما في القلب نفيُه والباء متعلقة بيجحدون يقال جحد حقَّه وبحقِّه إذا أنكره وهو يعلمه وقيل هو لتضمين الجحود معنى التكذيب وأيًّا ما كان فتقديمُ الجارِّ والمجرور للقَصْر وقيل المعنى فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم ويعضُده ما رُوي من أن الأخْنَسَ بنَ شُرَيْقٍ قال لأبي جهل يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحدٌ غيرُنا فقال له والله إن محمداً لصادقٌ وما كذَب قطُّ ولكن إذا ذهب بنو قُصيَ باللواءِ والسِّقاية والحِجابة والنبوّة فماذا يكونُ لسائر قريش فنزلت وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يسمَّى الأمينَ فعرَفوا أنه لا يكذِب في شيء ولكنهم كانوا يجحدون وقيل فإنهم لا يكذبونك لأنهم عندهم الصادقُ الموسومُ بالصدق ولكنهم يجحدون بآيات الله كما يروى أن أبا جهل كان يقول لرسول الله ﷺ ما نُكذِّبُك وإنك عندنا لصادقٌ ولكنا نكذِّبُ ما جئتنا به فنزلت وكأن صدقَ المُخبرِ عند الخبيث بمطابقةِ خبرِه لاعتقادِه والأولُ هو الذي تستدعيهِ الجزالة التنزيلية وقرىء لا يُكْذِبونك من الإكذاب فقيل كلاهما بمعنى واحدٍ كأكثرَ وكثُر وأنزل نزل وهو الأظهر وقيل معنى أكذبه وجده كاذباً ونُقل عن الكسائيِّ أن العربَ تقول كذبتُ الرجلَ أي نسبتُ الكذب إليه وأكذبته أي نسبت الكذب إلى ما جاءَ به لا إليه وقوله تعالى
﴿وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ﴾ افتنانٌ في تسليته عليه الصلاة والسلام فإن عمومَ البلية ربما يهوِّنُ أمرَها بعضَ تهوين وإرشادٌ له عليه الصَّلاةُ والسلام إلا الاقتداءِ بمن قبلَه من الرسلِ الكرام عليهم الصلاة والسلام في الصبر على ما أصابهُم من أممهم من فنون الأَذِيَّة وعِدَةٌ ضمنية له عليه الصلاة والسلام بمثل ما مُنِحوه من النصر وتصديرُ الكلام بالقسم لتأكيد التسلية وتنوينُ رسلٌ للتفخيم والتكثر ومن إما متعلقةٌ بكُذِّبت أو بمحذوف وقع صفة لرسل أي وبالله لقد كذِّبت من قبل تكذيبك رسلٌ أول شأنٍ خطير وذوُو عددٍ كثير أو كُذبت رسل كانوا من زمان قبلَ زمانك ﴿فَصَبَرُواْ على مَا كُذّبُواْ﴾ ما مصدرية وقوله