الأنعام ٣٦
الله فشق ذلك عليه لما أنَّه عليه الصَّلاةُ السلام كان شديدَ الحِرْص على إيمان قومه فكان إذا سألوا آيةً يودّ أن يُنزِلها الله تعالى طمعاً في إيمانهم فنزلت فقوله تعالى إِعْرَاضُهُمْ مرتفعٌ بكبُرَ وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ عليهِ لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخرة والجملة في محل النصب على أنها خبر لكان مفسرة لاسمها الذي هو ضميرُ الشأنِ ولا حاجة إلى تقدير قد وقيل اسم كان إعراضُهم وكبر جملة فعلية في محل النصب على أنها خبر لها مقدم على اسمها لأنه فعلٌ رافع لضميرٍ مستتركا هو المشهور وعلى التقديرين فقوله تعالى ﴿فَإِن استطعت﴾ الخ شرطيةٌ أخرى محذوفةُ الجواب وقعتْ جواباً للشرط الأول والمعنى إن شق عليك إعراضُهم عن الإيمان بما جئت به من البينات وعدمُ عدِّهم لها من قبيل الآيات وأحببتَ أن تجيبهم إلى ما سألوه اقتراحاً فإن استطعت ﴿أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً﴾ أي سَرَباً ومنفَذاً ﴿فِى الارض﴾ تنفُذ فيه إلى جَوفها ﴿أَوْ سُلَّماً﴾ أي مصعداً ﴿فِى السماء﴾ تعرج به فيها ﴿فتأتيهم﴾ منهما ﴿بآية﴾ مما اقترحوه فافعلْ وقد جُوِّز أن يكون ابتغاؤهما نفسَ الإتيان بالآية فالفاء في فتأتيَهم حينئذ تفسيرية وتنوينُ آية للتفخيم أي فإن استطعت أن تبتغيَهما فتجعلَ ذلك آيةً لهم فافعل والظرفان متعلقان بمحذوفين هما نعتات لِنفقاً وسلماً والأول لمجرد التأكيد إذ النفقُ لا يكون إلا في الأرض أو تبتغي وقد جُوِّز تعلقُهما بمحذوفٍ وقعَ حالاً من فاعل تبتغي أي أن تبتغي نفقاً كائناً أنت في الأرض أو سلماً كائناً في السماء وفيه من الدلالة على تبالُغِ حِرْصِه عليه الصلاة والسلام على إسلام قومه وتراميه إلى حيث لو قدَر على أن يأتيَ بآيةٍ من تحت الأرض أو من فوق السماء لفعل رجاء لإيمائهم ما لا يخفى وإيثار الابتغاءِ على الاتخاذ ونحوه للإيذانِ بأنَّ ما ذُكر من النفق والسُلّم مما لا يُستطاع ابتغاؤه فكيف باتخاه ﴿وَلَوْ شَاء الله لَجَمَعَهُمْ على الهدى﴾ أي ولو شاء الله تعالى أن يجمعهم على ما أنتُم عليهِ من الهدى لفعله بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم ولكن لم يشأ لعد صَرفِ اختيارِهم إلى جانب الهُدى مع تمكنِّهم التامِّ منه في مشاهدتهم للآياتِ الداعية إليه لا أنه تعالى لم يوفقهم له مع توجُّهِهِم إلى تحصيله وقيل لو شاء الله لجمعهم عليه بأن يأتيَهم بآيةٍ ملجئةٍ إليه ولكن لم يفعلْه لخروجه عن الحِكْمة وقوله تعالى ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين﴾ نهي لرسول الله ﷺ عما كان عليه من الحرصِ الشديدِ على إسلامِهم والميل إلى إتيان ما يقترحونه من الآيات طمعاً في إيمائهم مرتَّبٌ على بيان عدمِ تعلقِ مشيئتِه تعالى بهدايتهم والمعنى وإذا عرفت أنه تعالى لم يشأ هدايتهم وإيمائهم بأحد الوجهين فلا تكونَنَّ بالحرص الشديدِ على إسلامهم أو الميلِ إلى نزول مقترحاتِهم من الجاهلين بدقائق شئونه تعالى التي من حملتها مَا ذُكر من عدمِ تعلقِ مشيئتِه تعالى بإيمائهم أما اختياراً فلعدم توجُّههم إليه وأما اضطراراً فلخُروجه عن الحكمة التشريعيةِ المؤسسةِ على الاختيار ويجوز أن يُرادَ بالجاهلين على الوجه الثاني المقترِحون ويُراد بالنهْي منعه عليه الصلاة والسلام من المساعدة على اقتراحهم وإيرادُهم بعُنوان الجهل دون الكفر ونحوِه لتحقيق مَناطِ النهْي الذي هو الوصفُ الجامع بينه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبينهم
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ﴾