الأنعام آية ٥١
عبارةٌ عن تلقِّي الوحْي من جهةِ الله عزَّ وجل والعملِ بمقتضاه فحسْب حسْبما ينبيء عنه قوله تعالى ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ﴾ لا على معنى تخصيص اتباعه ﷺ بما يوحى إليه دون غيرِه بتوجيِه القَصْر إلى المفعول بالقياس إلى مفعولٍ آخرَ كما هو الاستعمالُ الشائعُ الواردُ على توجيه القصْر إلى ما يتعلَّق بالفعلِ باعتبار النفي في الأصل والإثبات في القيد بل على معنى تخصيص حاله ﷺ باتباع ما يوحى إليه بتوجيه القصرِ إلى نفسِ الفعلِ بالقياس إلى ما يغرّه من الأفعالِ لكن لا باعتبار النَّفي والإثباتِ معاً في خصوصية فإن ذلك غيرُ ممكنٍ قطعاً بل باعتبار النفي فيما يتضمنه من مطلق القعل والإثباتِ فيما يقارنه من المعنى المخصُوص فإنَّ كلَّ فعلٍ من الأفعال الخاصَّةِ كنصر مثلاً ينحلُّ عند التَّحقيقِ إلى معنى مطلقٍ هو مدلولُ لفظِ الفعلِ وإلى معنى خاص يقومه فإن معناه فصل النصْرَ يُرشدك إلى ذلك قولُهم معنى فلانٌ يُعطي ويَمنعُ يفعلُ الإعطاءَ والمنعَ فموردُ القصرِ في الحقيقةِ ما يتعلق بتوجيه النفي إلى الأصل والإثباتِ إلى القيد كأنه قيل ما أفعلُ إلا اتباعَ ما يُوحَى إليَّ من غير أن يكون لي مدخَلٌ ما في الوحي أو في الموحى بطريق الاستدعاء أو بوجهٍ آخرَ من الوجوه أصلاً ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير﴾ مثل للضال والمهتدي على الإطلاق والاستفهام إنكاري والمراد إنكاري استواءِ مَنْ لا يعلم ما ذُكر من الحقائق ومن يعلمُها وفيه من الإشعار بكمالِ ظهورِها ومن التنفير عن الضلالِ والترغيب في الاهتداء ما لا يَخْفى وتكريرُ الأمر لتثنية التبكيتِ وتأكيدِ الإلزام وقوله تعالى ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ تقريعٌ وتوبيخٌ داخلٌ تحت الأمر والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي لا تَسْمَعُونَ هذا الكلامَ الحقَّ فلا تتفكرون فيم أو أتسمعون فلا تتفكرون فيه فمناطُ التوبيخِ في الأول عدمُ الأمرَيْنِ معاً وفي الثَّانِي عدمُ التفكر مع تحقق ما يوجيه
﴿وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبّهِمْ﴾ بعد ما حكَى لرسول الله ﷺ أن من الكفرة قوماً لا يتعظون بتصريف الآيات الباهرة ولا يتأثرون بمشاهدة المعجزات القاهرة قد إيفت مشاعرُهم بالكلية والتحقوا بالأموات وقرَّر ذلك بأن كرَّر عليهم من فنون التبكيت والإلزام ما يُلقِمُهم الحجرَ أي غلقام فأبَوا إلا الإباءَ والنكيرَ وما نجَع فيهم عِظةٌ ولا تذكير ة وما أفادهم الإنذارُ إلا افصرار على الإنكار أُمرَ عليه الصلاةُ والسلامُ بتوجيه الإنذار إلى مَنْ يتوقعُ منهم التأثرَ في الجملة وهم المحجوزون منهم للحشر على الوجه الآتي سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب وبعضِ المشركين المعترفين بالبعث المتردِّدين في شفاعة آبائهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالأولين أو في شفاعة الأصنام كالآخِرين أو متردّدين فيهما معاً كبعض الكفرة الذين يُعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديث البعث يخافون أن يكون حقاً وأما المنكرون للحشر رأساً والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن أمر بإنذارهم وقد قيل هم المفرِّطون في الأعمال من المؤمنين ولا يساعدُه سِباقُ النَّظم الكريمِ ولا سياقه بل فيه ما يقضي باستحالة صحته كما ستقف عليه


الصفحة التالية
Icon