٢ -
الأنعام آية ٥٨
اتباعه والبينةُ الحجةُ الواضحةُ التي تفصِلُ بين الحق والباطل والمرادُ بها القرآنُ والوحْيُ وقيل هو الحججُ العقلية أو ما يعمُّها ولا يساعدُه المقامُ والتنوينُ للتفخيم وقولُه تعالى ﴿مّن رَّبّى﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لبينة مؤكدة لما أفادَه التنوينُ من الفخامةِ الذاتيةِ بالفخامةِ الإضافيةِ وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره ﷺ من التشريفِ ورفعِ المنزلة ما لا يخفى وقوله تعالى ﴿وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ إما جملةٌ مستأنفة أو حاليةٌ بتقدير قد أو بدونه جىء بها الاستقباح مضمونها واستيعاد وقوعِه مع تحقق ما يقتضي عدمَه من غاية وضوحِ البينة والضميرُ المجرورُ اللبينة والتذكير باعتبار المعنى لمراد والمعنى إني على بينةٍ عظيمة كائنةٍ من ربي وكذبتم بها وبما فيها من الأخبار التي من جملتها الوعيدُ بمجيء العذاب وقولُه تعالى ﴿مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ استئنافٌ مبينٌ لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأً لتكذيبهم بها وهو عدمُ مجيءِ ما وَعد فيها من العذابِ الذي كانُوا يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين بطريق الاستهزاءِ أو بطريق الإلزامِ على زعمهم أي ليس ما تستعجلونه من العذاب الموعودِ في القرآنِ وتجعلون تأخُّرَه ذريعةً إلى تكذيبه في حُكمي وقدرتي حتى أَجيءَ به وأُظهرَ لكم صِدْقَه أو ليس أمرُه بمُفوَّضٍ إلي ﴿إِنِ الحكم﴾ أي ما الحكمُ في ذلك تعجيلاً وتأخيراً أو ما الحكمُ في جميع الأشياء فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً ﴿إِلاَ لِلَّهِ﴾ وحده من غير أن يكون لغيره دخْلٌ ما فيه بوجه من الوجوه وقولُه تعالى ﴿يَقُصُّ الحق﴾ أي يتبعه بيان لشئونه تعالى في حكم المعهودِ أو في جميع أحكامِه المنتظمةِ له انتظاماً أولياً أي لا يَحكُم إلا بما هو حقٌّ فيُثبتُ حقيقة التأخير وقرىء يقضي فانتصابُ الحقَّ حينئذٍ على المصدية أي يقضي القضاءَ الحقَّ أو على المفعولية أي يصنعُ الحقَّ ويدبرُه من قولهم قضى الدِّرعَ إذا صنعها وأصلُ القضاءِ الفصلُ بتمام الأمرِ وأصلُ الحُكمِ المنعُ فكأنه يمنعُ الباطل عن معارَضةِ الحقِّ أو الخصمِ عن التعدِّي على صاحبه ﴿وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين﴾ اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله مشيرٌ إلى أن قص الحق ههنا بطريق خاصَ هو الفصلُ بين الحقِّ والباطلِ هذا هُو الذي تستدعيهِ جزالة التنزيلِ وقد قيل إن المعنى إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه على حجةٍ واضحةٍ وشاهدِ صدقٍ وكذبتم به أنتم حيث أشركتم به تعالى غيرَه وأنت خبيرٌ بأن مساق النظم الكرين فيما سبقَ وما لحقَ على وصفهم بتكذيب آياتِ الله تعالى بسبب عدمِ مجيءِ العذاب الموعودِ فيها فتكذيبُهم به سبحانه في أمر التوحيد مما لا تعلُّقَ له بالمقامِ أصلاً
﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى﴾ أي في قدرتي ومِكْنتي ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذابَ الذي وردَ به الوعيد بأن يكون أمرُه مفوّضاً إلي من جهته تعالى ﴿لَقُضِىَ الامر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ أي بأن ينزِلَ ذلك عليكم إثرَ استعجالِكم بقولكم متى هذا الوعد ونظائرِه وفي بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعيُّن الفاعِلِ الذي هو الله تعالى وتهويلِ الأمر ومراعاةِ حسنِ الأدب ما لا يخفى فما قيل في تفسيره لأهلكتُكم عاجلاً غضباً لربي ولتخلصْتُ منكم سريعاً بمعزلٍ من تَوْفِيةِ المقام حقَّه وقولُه تعالى ﴿والله أَعْلَمُ بالظالمين﴾ اعتراضٌ مقرِّرٌ لِما أفادتْه الجملةُ الامتناعية من انتفاءِ كونِ أمرِ العذاب مفوضا إليه ﷺ المستتبِع لانتفاء قضاءِ الأمر وتعليل له والمعنى


الصفحة التالية
Icon