الأنعام آية ٧٠
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ﴾ الذين كُلِّفوه وأُمروا بإقامة مواجبِه ﴿لَعِباً وَلَهْواً﴾ حيث سخِروا به واستهزءوا أو بنَوْا أمرَ دينهم على ما لا يكاد يتعاطاه العاقلُ بطريق الجِدّ وإنما يصدُر عنه لو صدَر بطريق اللعِبِ واللهوِ كعبادة الأصنام وتحريمِ البحائرِ والسوائبِ ونحوِ ذلك والمعنى أعرضْ عنهم ولا تُبالِ بأفعالهم وأقوالهم وقيل هو تهديدٌ لهم كقوله تعالى ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ الآية ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ واطمأنوا بها حتى زعموا أنْ لا حياةَ بعدها أبداً ﴿وَذَكّرْ بِهِ﴾ أي بالقرآنِ من يصلُح للتذكير ﴿أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي لئلا تُبْسَلَ كقوله تعالى أَن تَضِلُّواْ الآية أو مخافةَ أن تُبسَل أو كراهةَ أن تبسل نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ وتُرتَهنَ لسوء عملِها وأصلُ الإبسالِ والبَسْل المنعُ ومنه أسد باسلٌ لأن فريستَه لا تُفلت منه أو لأنه ممتنَعٌ والباسل الشجاع لامتناعه من قِرْنه وهذا بَسْلٌ عليك أي حرام ممنواع وقد جوز أن يكون الضمير المجرور في به راجعها إلى الإبسال مع عدم جرَيانِ ذكرِه كما في ضمير الشأن وتكون الجملةُ بدلاً منه مفسِّراً له في الإبهام أولاً والتفسيرِ ثانياً من التفخيم وزيادةِ التَّقريرِ كما في قولِه... على جودِه لَضَنَّ بالماء حانم بجر حانم على أنه بدل من ضمير جوده فالمعنى وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت وقوله تعالى ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ للإخبار بذلك وقيل في محل النصب على أنه حالٌ من ضمير كسبت وقيل في محلِ الرفعِ عَلى أنَّه وصفٌ لنفسٌ والأظهرُ أنَّه حالٌ من ف = نفسٌ فإنه في قوة نفسٌ كافرةٌ أو نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ومن دون الله متعلقٌ بمحذوف هو حال من وليٌّ كما بُيّن في تفسيرِ قولِه تعالى وَأَنذِرْ بِهِ الآية وقيل هو خبرٌ لليس فيكون لها حينئذٍ متعلقاً بمحذوفٍ على البيان ﴿وَإِن تَعْدِلْ﴾ أي إن تَفْدِ تلك النفسُ ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾ أي كلَّ فِداءٍ على أنَّه مصدرٌ مُؤكدٌ ﴿لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ على إسنادِ الفعلِ إلى الجار والمجرور لا إلى ضمير العدل كما في قوله تعالى وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ فإنه المَفْدِيُّ به لا المصدرُ كما نحن فيه ﴿أولئك﴾ إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيزِ الصلةِ وما فيهِ من معنى البعد للإيذان ببعدِ درجتِهم في سُوءِ الحال ومحلُه الرفعُ على الابتداء والخبر في قوله تعالى ﴿الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ﴾ والجملةُ مستأنفةٌ سيقت إثرَ تحذيرِهم من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتَلَوْن بذلك أي أولئك المتخِذون دينَهم لعباً ولهواً المغترون بالحياة الدنيا هم الذين أُبسِلوا بما كسبوا وقولُه تعالى ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ﴾ استئناف آخَرُ مُبينٌ لكيفية الإبسال المذكور وعاقبتِه مبنيٌّ على سوء نشأَ من الكلامِ كأنَّه قيل ماذا لهم حين أُبسلوا بما كسبوا فقيل لهم شرابٌ من ماءٍ مغليَ يتجَرْجَرُ في بطونهم وتتقطَّعُ به أمعاؤهم ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بنار تشتعل بأبدانهم ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا وقد جُوِّز أن يكون لهم شراب الخ حالاً من ضمير أبسلوا وترتيب


الصفحة التالية
Icon