الأنعهام آية ٧٢ ٧٣
إلى أنهم مهتدون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق المستقيم ليدعى إلى إتيانه وإنما يُدرك سمتَ الداعي ومورِدَ النعيق فقط ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى الله﴾ الذي هدانا إليه وهخو الإسلام ﴿هُوَ الهدى﴾ وحدَه وما عداه ضلال محضٌ وغيٌّ بحتٌ كقوله تعالى فَمَاذَا بَعْدَ الحقِّ إِلاَّ الضلال ونحوِه وتكريرُ الأمر للاعتناء بشأن المأمورِ به ولأن ما سبق للزجْرِ عن الشرك وهذا حثٌّ على الإسلام وهو توطِئةٌ لما بعده فإن اختصاصَ الهُدى بهُداه تعالى مما يوجبُ الامتثالَ بالأوامر الواردةِ بعده ﴿وَأُمِرْنَا﴾ عطفٌ على إن هُدى الله هو الهدى داخلٌ تحت القول واللام في ﴿لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين﴾ لتعليل الأمر المَحْكيِّ وتعيينِ ما أريد به كمن الأوامر الثلاثة كما في قوله تعالى قُل لّعِبَادِىَ الذين آمنوا يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ الآية كأنه قيل أمرنا وقيل لنا اسلموا لأجل أنم نسلَمَ وقيل هي بمعنى الباء أي أمرنا بأن نُسلم وقيل زائدة أي أُمرنا أن نُسلم على حذف الباء وقوله تعالى
﴿وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه﴾ أي الله تعالى في مخالفةِ أمرهِ عطفٌ على نُسلم على الوجوه الثلاثة على أنّ أنْ المصدريةَ إذا وصلت بالأمر بتجرد هو عن معنى الأمر نحوُ تجردِ الصلةِ الفعليةِ عن معنى المضي والاستقبال فالمعنى على الأول أمرنا أي قيل لنا أسلموا وأقيموا الصلاة واتقوا الله لأجل أن نُسلمَ ونُقيمَ الصلاة ونتّقِيَه تعالى وعلى الأخيرين أمرنا بأن نسلمَ ونقيم الصلاة ونتقيه تعالى والتعرضُ لوصف ربوبيته تعالى للعالمين لتعليل الأمرِ وتأكيدِ وجوبِ الامتثالِ به كما أن قوله تعالى
﴿وَهُوَ الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ موجِبةٌ للامتثال بما أُمر به من الأمور الثلاثة ﴿وَهُوَ الذى خلق السماوات والارض﴾ أُريد بخلقهما خلقُ ما فيهما أيضاً وعدمُ التصريح بذلك لظهور اشتمالهما على جميع العُلويات والسُفليات وقوله تعالى ﴿بالحق﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ هو حالٌ من فاعلِ خلقَ أوْ منْ مفعولِه أو صفةٌ لمصدرِه المؤكِّد له أي قائماً بالحق أو متلبسه بالحق أو خلقا متلبساً به وقوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق﴾ استئنافٌ لبيانِ أنّ خلقَه تعالى لِما ذُكر من السمواتِ والأرضِ ليس مما يَتوقَّفُ على مادّةٍ أو مُدّة بل يتَمّ بمحض الأمرِ التكوينيِّ من غير توقفٍ على شيءٍ آخَرَ أصلاً وأن ذلك الأمرَ المتعلِّقَ بكل فردٍ فردٌ من أفراد المخلوقات في حينٍ معينٍ من أفراد الأحيان حقٌّ في نفسه متضمنٌ للحكمة ويومَ ظرفٌ لمضمون جملةِ قولُه الحقُّ والواو بحسب المعنى داخلٌ عليها وتقديمُه عليها للاعتناءِ به من حيث إنه مدارُ الحقّيةِ وتركُ ذكرِ المقولِ له للثقةِ بغاية ظهوره والمرادُ باالقول كلمةُ كن تحقيقاً أو تمثيلاً كما هو المشهورُ فالمعنى وأمرُه المتعلقُ بكل شيءٍ يريد خلقَه من الأشياء في حينِ تعلّقِه به لا قبلَه ولا بعده من أفراد الأحيان الحقُّ أي المشهودُ له بالحقّية المعروفُ بها هذا وقد قيلَ قولُه مبتدأ والحق صفته ويوم يقول خبره مقدما عليه كقولك يومَ الجمعةِ القتالُ وانتصابه بمعنى الاستقرار وحاصلُ المعنى قولُه الحقُّ كائنٌ