الأنعام ٩٠ ٩١
كلاًّ من هؤلاء الطوائف موَفّقون للإيمان بالأنبياء وبالكتب المُنْزَلة إليهم عاملون بما فيها من أصول الشرائعِ وفروعِها الباقية في شريعتنا وبه يتحقق الخروجُ عن عهدة التوكيل دون المنسوخة منها فإنها بانتساخها خادة عن كونها من أحكامها وقد مرَّ تحقيقُه في تفسير سورة المائدة وقيل هم الأنبياءُ المذكورون فالمرادُ بالتوكيل الأمرُ بما هو أعمُّ من إجراء أحكامِها كما هو شأنهم في حق كتابهم ومِنِ اعتقاد حقِّيتِها كما هو في شأنهم في حق سائرِ الكتبِ التي من جملتها القرآنُ الكريم وقيل هم الملائكةُ فالتوكيل هو الأمرُ بإنزالها وحفظها واعتقاد حقيتها وأياً ما كان فتنكيرُ قوماً للتفخيم والباء الأولى صلة لكافرين قدمت عليه محافظةً على الفواصل والثانية لتأكيد النفي وأما تقديم صلة وكلنا على مفعوله الصريح فلِما ذكر آنفاً من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوعَ طولٍ ربما يؤدِّي تقديمُه إلى الإخلال بتجاوب النظم الكريم أو إلى الفصلِ بين الصفةِ والموصوف وجوابُ الشرط محذوفٌ يدلُّ عليه المذكور أي فإن يكفُرْ بها هؤلاءِ فلا اعتدادَ به أصلاً فقد وفّقنا للإيمان بها قوماً فِخاماً ليسوا بكافرين بها قطعاً بل مستمرون على الإيمان بها والعملِ بما فيها ففي إيمانهم بها مندوحةٌ عن إيمان هؤلاء ومن هذا تبيّن أن الوجه أن يكونَ المرادُ بالقوم إحدى الطوائف المذطورة إذْ بإيمانهم بالقرآن والعملِ بأحكامه تتحقّقُ الغُنية عن إيمان الكَفَرة به والعملِ بأحكامه وأما الأنبياءُ والملائكةُ عليهم السلام فإنما به ليس من قبيل إيمانِ آحادِ الأمةِ كما أشير إليه
﴿أولئك﴾ إشارة إلى ألنبياء المذكورين وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ بعلوِّ رُتبتهم وهو مبتدأٌ خبرُه قولُه تعالى ﴿الذين هَدَى الله﴾ أي إلى الحق والنهج المستقيم والالتفاتُ إلى الإسم الجليل للإشعار بعلة الهداية ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ أي فاختصَّ هداهم بالاقتداء ولا تقتَدِ بغيرهم والمرادُ بهداهم طريقتُهم في الأيمان بالله تعالى وتوحيدِه وأصولِ الدين دون الشرائعِ القابلةِ للنسخ فإنها بعد النسخ لا تبقى هُدىً والهاء في اقتده للوقف حقها أنم تسقط في الدّرْج واستُحسن إثباتُها فيه أيضاً إجراءً له مُجرى الوقفِ واقتداءً بالإمام وقرىء بإشباعها على أنها كناية المصدر ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي على القُرآنِ أو على التبليغ فإن مَساقَ الكلامِ يدل عليهما وإن لم يجْرِ ذكرُهما ﴿أَجْراً﴾ من جهتكم كما لم يسألْه مَنْ قبلي من الأنبياءِ عليهم السلام وهذا من جملة ما أمر ﷺ بالاقتداء بهم فيه ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي مَا القرآنُ ﴿إِلاَّ ذكرى للعالمين﴾ أي عظةٌ وتذكيرٌ لهم كافةً من جهته سبحانه فلا يختَصُّ بقوم دون آخرين
﴿وَمَا قَدَرُواْ الله﴾