الأنعام آية ١٠٠
أو ثَمةَ جناتٌ وقد جوِّز عطفُه على قنوان كأنه قيل وحاصلةٌ أو مخجة من النخل قنوانٌ وجناتٌ من نباتٍ وأعناب ولعل زيادة الجنات ههنا من غير اكتفاءٍ بذكر اسمِ الجنس كما فيما تقدم وما تأخر لما أن الانتفاعَ بهذا الجنس لا يتأتى غالباً إلا عند اجتماع طائفةٍ من أفراده ﴿والزيتون والرمان﴾ منصوبان على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم أو على العطف على نباتَ وقوله تعالى ﴿مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ متشابه﴾ حال من الزيتون اكتُفي به عن حال ما عطف عليه كما يكتفى بخبر المعطوف عليه عن خبر لمعطوف في نحوِ قولِه تعالى والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ وتقديرُه والزيتونَ مشتبهاً وغيرَ متشابه والرمانَ كذلك وقد جوز أن يكون حالاً من الرمان لقُربه ويكون المحذوفُ حالَ الأول والمعنى بعضُه متشابهاً وبعضُه غير مكتشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم وغيرِ ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعِها وحكمةِ مُنشئِها ومبدعِها ﴿انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ أي انظروا إليه نظرَ اعتبارٍ واستبصارٍ إذا أخرج ثمرَه كيف يُخرجه ضئيلاً لا يكاد يُنتفعُ به وقرىء إلى ثمره ﴿وَيَنْعِهِ﴾ أي وإلى حال نضجه كيف يصر إلى كماله اللائق به ويكون شيئاً جامعاً لمنافِعَ جمّةٍ واليَنْعُ في الأصل مصدر ينعت الثمر إذا أدركت وقيل جمعُ يانع كتاجر وتجْرٍ وقرىء بالضمِّ وهي لغةٌ فيه وقرىء يانِعِهِ ﴿إِنَّ فِى ذلكم﴾ إشارةٌ إلى ما أُمر بالنظر إليه وما في إسمِ الإشارةِ من معنى البعد للإيذان بعلوِّ رُتبةِ المُشار إليهِ وبعد منزلته ﴿لايات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لآيات عظيمة أوثيرة دالةً على وجود القادر الحكيم ووحدته فإن حدوت هاتيك الأجناسِ المختلفة والأنواع المتشعبة من أصل واحدٍ وانتقالَها من حال إلى حال على نمط بديع يحار في فهمه الألباب لا يكاد يكون إلا بإحداث صانعٍ يعلم تفاصيلَها ويرجّح ما تقتضيه حكمتُه من الوجوه الممكنة على غيره ولا يَعوُقه عن ذلك ضد يناويه أو ند يفاويه ولذلك عقّب بتوبيخِ من أشرك به والردِّ عليه حيث قيل
﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء﴾ أي جعلوا في اعتقادهم لله الذي شأنُه ما فُصّل في تضاعيفِ هذه الآياتِ الجليلةِ شركاءَ ﴿الجن﴾ أي الملائكةَ حيث عبدوهم وقالوا الملائكةُ بناتُ الله وسُمُّوا جنا لاجتنابهم تحقير لشأنهم بالنسبة إلى مَقام الألوهية أو الشياطينَ حيث أطاعوهم كما أطاعوا الله تعالى أو عبدوا الأوثانَ بتسويلهم وتحريضِهم أو قالوا الله خالقُ الخير وكلِّ نافعٍ والشيطانُ خالقُ الشرِّ وكلِّ ضارَ كما هو رأي التنويه ومفعولا جعلوا قوله تعالى شُرَكَاء الجن قُدِّم ثانيهما على الأول لاستعظام أن يتخذ الله سبحانه شريكٌ ما كائناً ما كان ولله متعلق بشركاء قدم عليه للنكتة المذكورة وقيل هما لله شركاء والجنَّ بدلٌ من شركاءَ مفسِّرٌ له نَصَّ عليه الفراءُ وأبو إسحاقَ أو منصوبٌ بمضمرٍ وقعَ جوابا على سؤالٍ مقدَّرٍ نشأ من قوله تعالى وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء كأنه قيل مَنْ جعلوه شركاءَ لله تعالى فقيل الجنَّ أي جعلوا الجن ويؤيده قراءةُ أبي حيوة ويزيدَ بن قطيب الجن بالرفع على تقديرهم الجنُّ في جواب من قال مَن الذين جعلوهم شركاءَ لله تعالى وقد قرىء بالجر على أن الإضافة للتبيين


الصفحة التالية
Icon