الأعراف آية ١٦
مخصوصةٌ تقتضي ورودَه على وجه خاصَ من وجوه النظمِ بحيث لو أخل بشيء من ذلك سقط الكلامُ عن رتبة البلاغةِ البتة فالكلامُ الواحدُ المحكيُّ على وجوه شتى إن اقتضى الحالُ ورودَه على وجه معينٍ من تلك الوجوهِ الواردةِ عند الحكاية فذلك الوجهُ هو المطابقُ لمقتَضى الحالِ والبالغُ إلى رتبة البلاغةِ دون ما عداه من الوجوه إذا تمكهد هذا فنقولُ لا يخفى أن استنظارَ اللعينِ إنَّما صدرَ عنه مرةً واحدةً لا غيرُ فمقامُه إن اقتضى إظهارَ الضراعةِ وترتيبَ الاستنظار على ما حاق به من اللعن والطردِ على نهج استدعاءِ الجبْرِ في مقابلة الكسر كما هو المتبادَرُ من قوله رب فأنظرني حسبما حُكي عنه في السورتين فما حكي ههنا يكون بمعزل من المطابقة لمقتضى الحال فضلاً عن العُروجِ إلى معارج الإعجازِ قلنا مقامُ استنظاره مُقتضٍ لما ذُكر من إظهار الضراعة وترتيب الاستنظار على الحِرمان المدلولِ عليه بالطرد والرجم وكذا مقامُ الإنظارِ مقتضٍ لترتيب الإخبارِ بالإنظار على الاستنظار وقد طُبّق الكلامُ عليه في تينك السورتين ووُفّي كلُّ واحد من مقامَي الحكايةِ والمحكيِّ جميعا حظه وأما ههنا فحيث اقتضى مقامُ الحكايةِ مجردَ الإخبار بالاستنظار والإنظارِ سيقت الحكايةُ على نهج الإيجاز والاختصارِ من غيرِ تعرّضٍ لبيانِ كيفيةِ كل واحدٍ منهما عند المخاطبة والحِوار إن قلت فإذن لا يكونُ ذلك نقلاً للكلام على ما هو عليه ولا مطابقاً لمقتضى المقامِ قلنا الذي يجب اعتبارُه في نقل الكلامِ إنما هو أصلُ معناه ونفسُ مدلولِه الذي يفيده وأما كيفية إفادته فليس مما يجب مراعاتُه عند النقل البتة بل قد تراعى وقد لا تراعى حسب اقتضاءِ المقامِ ولا يقدح في أصل الكلامِ تجريدُه عنها بل قد يراعى عند نقلِه كيفيات وخصوصات لم يُراعِها المتكلمُ أصلاً ولا يُخلُّ ذلك بكون المنقولِ أصلَ المعنى ألا يُرى أن جميعَ المقالات المنقولةِ في القرآن الكريمِ إنما تحكى بكيفيات واعتباراتٍ لا يُكاد يَقدِر على مراعاتها مَنْ تكلم بها حتماً وإلا لأمكن صدورُ الكلام المعجِزِ عن البشر فيما إذا كان المحكيُّ كلاماً وأما عدمُ مطابقتِه لمقتضى الحالِ فمنشؤه الغفلةُ عما يجب توفيرُ مقتضاه من الأحوال فإن مَلاكَ الأمرِ هو مقامُ الحكايةِ وأما مقام وقوعِ المحكيِّ فإن كان مقتضاه موافقاً لمقتضى مقامِ الحكايةِ يُوفَّى كلُّ واحدٍ من المقامين حقَّه كما في سُورة الحجرِ وسُورة ص فإن مقامَ الحكايةِ فيهما لمّا كان مقتضياً لبسط الكلامِ وتفصيلِه على الكيفيات التي وقع عليها رُوعيَ حقُّ المقامين معاً وأما في هذه السورةِ الكريمةِ فحيث اقتضى مقامُ الحكايةِ الإيجازَ رُوعيَ جانبُه ألا يُرى أن المخاطبَ المنكِرَ إذا كان ممن لا يفهم إلا أصلَ المعنى وجب على المتكلم أن يجرِّد كلامَه عن التأكيد وسائرِ الخواصِّ والمزايا التي يقتضيها المقامُ ويخاطِبَه بما يناسبه من الوجوه لكنه مع ذلك يجب أن يقصِدَ معنى زائداً يفهمه سامعٌ آخرُ بليغٌ هو تجريدُه عن الخواصِّ رعايةً لمقتضى حالِ المخاطَبِ في الفهم وبذلك يرتقي كلامُه عن رتبة أصوات الحيوانات كا حُقِّق في مقامه فإذا وجب مراعاةُ مقامِ الحكايةِ مع اقتضائها إلى تجريد الكلامِ عن الخواص والمزايا بالمرة فما ظنُّك بوجوب مراعاتِه مع تحلية الكلام بمزايا أُخَرَ يرتقي بها إلى رتبة الإعجازِ لا سيما إذا وفى حق مقام المحكيِّ في السورتين الكريمتين وكان هذا الإيجازُ مبنياً عليه وثقة به
﴿قَالَ﴾ استئنافٌ كأمثاله ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى﴾ الباءُ للقسم كما في قوله تعالى


الصفحة التالية
Icon