الأعراف آية ٢٦ ٢٧
يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضآلون وقوله تعالى قال أرأيتك هذا الذى كَرَّمْتَ عَلَىَّ بعد قوله تعالى قَالَ أأسجد لمن خلقت طيناً وإما لإظهار الاعتناءِ بمضمون ما بعدَهُ منْ قولِه تعالى ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ أي للجزاءِ كقوله تعالى مِنْهَا خلقناكم وفيها نعيكم وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى
﴿يا بني آدم﴾ خطابٌ للناس كافةً وإيرادُهم بهذا العنوان مما لا يخفى سرُّه ﴿قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ أي خلقناه لكم بتدبيرات سماويةٍ وأسبابٍ نازلةٍ منها ونظيرُه وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعامِ الخ وقوله تعالى وَأَنزْلْنَا الحديد ﴿يوارى سَوْآتكم﴾ التي قصد إبليسُ إبداءَها من أبويكم حتى اضطر إلى خصف الأوراق وأنتم مستغنون عن ذلك وروي أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عرايا ويقولون لا نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها فنزلت ولعل ذكر قصةِ آدمَ عليه السلام حينئذ للإيذان بأن انكشافَ العورة أولُ سوءٍ أصاب الإنسان من قِبَل الشيطان وأنه أغواهم في ذلك كما أغة وى أبويهم ﴿وَرِيشًا﴾ ولباساً تتجملون به والريشُ الجمالُ وقيل مالاً ومنه ترّيش الرجلُ أي تموّل وقرىء رياشاً وهو جمعُ ريشٍ كشِعْب وشِعاب ﴿وَلِبَاسُ التقوى﴾ أي خشيةُ الله تعالى وقيلَ الإيمانُ وقيل السمتُ الحسَنُ وقيل لباسُ الحرب ورفعُه بالابتداء خبرُه جملةُ ﴿ذلك خَيْرٌ﴾ أو خبرٌ وذلك صفتُه كأنه قيل ولباسُ التقوى المشارُ إليه خيرٌ وقرىء ولباس التقوى بلنصب عطفاً على لباساً ﴿ذلك﴾ أي إنزالُ اللباس ﴿مِنْ آيات الله﴾ دالةٌ على عظيم فضلِه وعميمِ رحمتِه ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيعرِفون نعمتَه أو يتّعظون فيتورّعون عن القبائح
﴿يا بني آدم﴾ تكريرُ النداءِ للإيذان بكمال الاعتناءِ بمضمون ما صدر به وإيرادهم بهذا العنون مما لا يخفى سببُه ﴿لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان﴾ أي لا يوقِعنّكم في الفتنة والمحنة بأن يمنعَكم من دخول الجنة ﴿كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة﴾ نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لا يفتِننّكم فتنةً مثلَ إخراجِ أبويكم وقد جُوّز أن يكون التقديرُ لا يُخرِجَنكم بفتنته إخراجاً مثلَ إخراجِه لأبويكم والنهيُ وإن كان متوجهاً إلى الشيطان لكنه في الحقيقة متوجِّهٌ إلى المخاطبين كما في قولك لا أرينك ههنا وقد مرَّ تحقيقُه مراراً ﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهما﴾ حال من أبويكم أو من فاعل أخرج وإسنادُ النزعِ إليه للتسبيب وصيغةُ المضارعِ لاستحضارِ الصُّورَةِ وقوله تعالى ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ أي جنودُه وذريتُه استئنافٌ لتعليل النهي وتأكيد التحذير منه ﴿مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ من لابتداء غايةِ الرؤية حيث ظرفٌ لمكان انتفاءِ الرؤية ولا ترَوْنهم في محل الجرِّ بإضافة الظرفِ إليه ورؤيتُهم لنا من حيث لا نراهم لا تقتضي امتناع رؤيتنا


الصفحة التالية
Icon